سعى النظام الديني المتطرف في إيران، لإحتواء النصر الکبير الذي حققه ثوار ليبيا بدخولهم الى طرابلس العاصمة و الى معقل الدکتاتور الليبي بحد ذاته، من خلال ذلك الترحيبquot;الخجولquot;وquot;الضمنيquot;الذي قدمه النظام المذکور من خلال بعض من رؤوسه و أحزاب او شخصيات تابعة له، وقطعا فإن هذا الدخول الظافر قد کان بمثابة صفعة قوية للأنظمة الاستبدادية القائمة في کل من طهران و دمشق و صنعاء و نبهتهم الى خطورة و جدية المرحلة الحالية و آفاقها و تداعياتها المتباينة على مستقبلهم السياسي.

لقد بذل النظام الايراني، وعبر طرق و اساليب مختلفة، کل مافي وسعه من جهود و إمکانيات من أجل إطالة أمد حالة الصراع في ليبياquot;ولازال کذلك حتى آخر مقاتل في سبيل الدکتاتوريةquot;، مثلما انه يذود بکل غال و نفيس أيضا في سبيل الحفاظ على حليفه الاستراتيجي في المنطقة نظام بشار الاسد، والحق، ان حالة التخبط و الفوضى التي يعيشها حاليا النظام الايراني و خصوصا داخل أجهزتهم الخاصة، تعکس بکل وضوح مقدار القلق و التوجس اللذين بات ينعکس على عمل و اداء أجهزة و مؤسسات هذا النظام.

قادة النظام الايراني البارزين، أطلقوا نکتة إتفق الکثير من المراقبين و المحللين السياسيين أنها کانتquot;بايخةquot;، أکثر من اللازم، تلك النکتة التي صوروا فيها الربيع العربي بأنه إنعکاس للثورة الاسلامية(أي نظام ولاية الفقيه و ليس الثورة الايرانية نفسها فهناك فرق کبير بين الاثنين)، هذه النکتة، استلهم من سماجتها و خوائها الشارع الشعبي الايراني العديد من التعليقات الساخرة تعکس في واقع أمرها وعيا سياسيا کبيرا بما يجري في المنطقة و أن نظام ولاية الفقيه نفسه ينتظر اللحظة التي تصل فيها رياح و أعاصير التغيير الى شوارع طهران و إصفهان و تبريز و مهاباد و کرمانشاه و أهواز و زاهدان، و الظريف في هذا السياق، أن الايرانيين يسمون الربيع العربي بالربيعquot;الاصغرquot;، في إشارة الى أن الربيعquot;الاکبرquot;، هو الذي سيحدث في إيران، وهو أمر من الواجب جدا أن تأخذه معظم الاوساط السياسية في المنطقة و العالم ببالغ الجدية، ذلك انه يعکس الواقع السياسي الاجتماعي الفکري الايراني على أفضل وجه و يمکن إعتباره معيارا للمقايسة و المفاضلة بصدد إحتمالات المستقبل المنظور لهذا النظام الاستبدادي.

النظام الايراني، بعد أن کان يعيش حالة من الإنتعاش الزائف بسبب من الاوضاع الدولية و الاقليمية و الداخلية التي تهيأت له طوال العقود الماضية، يواجه اليوم مختلف الازمات العميقة و على کافة الاصعدة من دون إستثناء، وتؤکد اوساط مطلعة بالشأن الايراني، ان اروقة النظام و دهاليزه السرية تعج بحرکة و نشاط مفرطين لإعداد سيناريوهات مختلفة من أجل إحتواء الاوضاع المستجدة و الالتفاف عليها لإنقاذ النظام و مؤسساته من سقوط حتمي، بل وان تلك الاوساط المطلعة تؤکد أيضا بأن النظام قد أطلق يد أجهزته الامنية على إختلافها من أجل السعي للتغلغل في عمق الاوساط الشعبية الايرانية و السعي حتى لتبوئها مراکزا مميزة من أجل قيادة الاوضاع بسياقات تخدم مصالح النظام أو بتعبير أدق من أجل خلق حالات بإمکانها إجهاض الثورة و وأدها، وتقول هذه الاوساط، أن النظام وعلى الرغم من حالة الاستنفار القصوى التي يعيشها من أجل نصرة و إنقاذ النظام السوري، لکنه قام بإيلاء أهمية استثنائية للإحتمالات المستقبلية خصوصا بعد أن دخل الثوار الليبيون باب العزيزية و صار القذافي هاربا من وجه العدالة الشعبية، خصوصا وان رجال الدين في طهران يعلمون جيدا بأن تداعيات و تأثيرات الحالة الليبية على الاوضاع السورية ستکون کبيرة و أن إنحراف الاوضاع السورية صوب منحنيات أکثر وعورة سيکلف النظام الايراني الکثير الکثير و سيعمل على خلخلة الاوضاع الداخلية و تعقيدها و إيصالها بسرعة أکبر صوب منعطفquot;الانفجارquot;، وقطعا أن النظام الايراني الذي ينتظر قبل غيره الانفجار الاستثنائي للأوضاع في داخل و الثورة الکبرى للشعب الايراني الاصيل، فإنه قد وضع العديد من البدائل من أجل العمل على ضمان عدم وصول الانفجار الى نقطةquot;اللاعودةquot;، کما کان الحال في الحالات العربية المختلفة، لکن، هيهات أن يتم ذلك لهذا النظام الذي لم يعد مؤهلا للمزيد من البقاء جاثما على صدر الشعب الايراني و ان عجلة التأريخ تمضي للأمام و تدوس کل حالات الخلل و الاعوجاج من دون رحمة.

مشکلة النظام الايراني العويصة، انه بات يقاتل على کل الجبهات وان قواه باتت تستنفذ يوما بعد آخر و ترى العديد من الاوساط السياسية بأن قواه قد وهنت و ان قبضته الحديدية قد طفقت تتراخى ولم تعد محکمة کما کان حالها في العقود السابقة، ولعل الضربات السياسية الموجعة جدا التي وجهتها المقاومة الايرانية على الصعيد الدولي و تمکنها من إحراج النظام و حشره في زوايا ضيقة و جره الى ساحات مواجهة استثنائية لا يألفه بل وحتى غريب عليه وان اللطمات العنيفة التي تلقاها في عواصم الاتحاد الاوربي و حالة الهلع و الخوف التي بات يعيشها بإنتظار ماسيؤول إليه الوضع في واشنطن، تضعه في موقف حرج و صعب و معقد لايحسد عليه.

النظام الايراني وبعد أن تمکن بواسطة البترودولار من السيطرة علىquot;السوق السياسيquot;وquot;الاعلاميquot;، يواجه اليوم حملة ضروس تتباين بالمرة مع مختلف الحالات الاخرى التي واجهها، إذ أن المجلس الوطني للمقاومة الايرانية و في شخص زعيمة المعارضة الايرانية السيدة مريم رجوي، قد عقد العزم على المضي قدما في المواجهة و الصراع ضد النظام الديني المتطرف حتى اللحظة الاخيرة التي يبدو أنها لم تعد بعيدة، وقد أثبت المجلس الوطني للمقاومة الايرانية بأنه جدير و ضليع بمواجهة النظام سياسيا و دفعه الى زوايا حرجة و انه الاجدر و الاکثر حنکة و دراية بالامور و القضايا السياسية من الملالي المتخلفين الذين لايجيدون شيئا سوى إثارة الفوضى و القلاقل و الفتن و الازمات.
الربيع الاکبر قادم لامحالة وان نسائم زهوره و رياحينه ستداف و تختلط ببرقه و رعده الذي سيحرق الاسمال الرثة لنظام قمعي استبدادي متخلف بني على الظلم و قمع الحريات و مصادرة أبسط الحقوق الانسانية، وقطعا أن الربيع العربي لن يستقر و تتفتح براعمه و تفوح شذى أزهاره إلا بعد إطلالة الربيع الاکبر في طهران، إذ أن سقوط النظام الديني المتطرف في إيران يعتبر أفضل ضمانة لأمن و استقرار و سلامة المنطقة.