قال الكاتب الفرنسي فكتور هوغو ان quot;لا شيء اقوى من فكرة آن اوانهاquot;. ولكننا يمكن ان نضيف لاحقة سياسية لا تقل أهمية هي ان لا شيء أقوى من أزمة في دفع فكرة الى الأمام.
والعالم العربي في أزمة، فان احداث ما يُسمى الربيع العربي حولت المنطقة في سنة شهدت سقوط ثلاث حكومات واثنتين تواجهان انتفاضات خطيرة مستمرة وحكومات أخرى تقف وجها لوجه امام عصر جديد يكتنفه الغموض.
ولكن في هذا العصر الزاخر بالمجاهيل يبدو ان هناك فكرة واحدة عليها ما يقرب من الاجماع، فكرة تمد جسورا بين الأجيال وتربط نظرات سياسية مختلفة وتقيم آصرة تجمع بين النخب الحاكمة والمحكومين. ففي سائر انحاء المنطقة تتردد عبارة كأنها لازمة هي: اننا بحاجة الى مزيد من فرص العمل للشباب واقتصادات تعمل بكفاءة أعلى وقطاع خاص أقوى ونمو اشد استدامة. وقلة يمارون في هذه الأفكار.
الأرقام وحدها تكفي لفتح البصائر والعقول. فان نحو ثلثي العرب هم دون سن التاسعة والعشرين. وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب في عموم الشرق الأوسط وشمال افريقيا ما متوسطه 25 في المئة. وقدَّر البنك الدولي ان المنطقة تحتاج الى توفير 100 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020 لمواكبة مستويات البطالة الحالية واستيعاب الأيدي الجديدة التي تدخل سوق العمل.
هذا ليس بالنبأ الجديد في المنطقة بطبيعة الحال, فان الوزراء العرب يعكفون على اعداد خطط لتوفير فرص العمل منذ زهاء عشر سنوات، دون نجاح يُذكر. ويستخدم البنك المركزي قنواته لإيصال صوت الطبول التي تقرع محذرة من أزمة عنوانها فرص العمل. وسُودت أعمدة لا تُحصى في الصحف متناولة هذه القضية. والاستثناء الصارخ الوحيد هو الجامعة العربية التي لم تمارس قيادة يُعتد بها أو لم تمارس أي قدر من القيادة بشأن هذه القضية الحيوية.
تميل الأزمات الى اشاعة صفاء في التفكير، وهي كثيرا ما تنتج مشاريع استراتيجية مهمة كبرى. ومثلما تمخضت الحرب العالمية الثانية عن الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي فقد حان الوقت لأن يشرع القادة العرب في التفكير على نطاق واسع.
باختصار، حان الوقت لاستحداث بنك تنمية عربي تجديدي، حسن التمويل وذي مصداقية. وستكون هذه المؤسسة مركز عمليات وموئل معرفة بشأن أهم قضية تواجه المنطقة اليوم، وهي التنمية الاقتصادية.
ولكي تتكلل هذه المبادرة بالنجاح وتتميز عن الهيئات القائمة فانها يجب ان تستوحي نموذج ثلاث مؤسسات هي البنك الاوروبي للاعمار والانماء وبنك التنمية الآسيوي والمؤسسة المالية الدولية. فان في المؤسسات الثلاث جميعا سمات تصلح لوضع العالم العربي اليوم.
في عام 1991 شهدت اوروبا الشرقية والوسطى تحولا جيوسياسيا جذريا بسقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي. وبدلا من الانتظار الى ان يجد كل بلد طريقه الخاص بادر القادة الاوروبيون الى استحداث البنك الاوروبي للاعمار والانماء.
وكان هدف البنك بسيطا لكن مهمته معقدة تتمثل في مساعدة بلدان من اوروبا الوسطى الى آسيا الوسطى على التوجه نحو اقتصاد السوق ودعم كل الجهود الرامية الى دفع عجلة النمو والتنمية. وسُمي البنك الاوروبي للاعمار والانماء البنك الانتقالي الوحيد في العالم.
وتمر بلدان مثل مصر وتونس وليبيا نفسها بمراحل انتقال بالغة الأثر. ومن شأن بنك التنمية العربي المقترح ان يتخذ خطوات تدعم نموها الاقتصادي في غمرة آلام متنامية لا مفر منها خلال مرحلة الانتقال السياسي. وكان البنك الاوروبي للاعمار والانماء بوصفه بنكا انتقاليا، سريع الحركة والاستجابة للحاجات على الأرض. واستخدم البنك مزيجا من دعم القطاع الخاص والاصلاح البنيوي. واليوم، بعد 20 عاما على تأسيسه، يعتبر البنك الاوروبي للاعمارء والانماء عاملا اساسيا في التحول الاقتصادي الذي حققته منطقة وسط اوروب وشرقها.
ويعتبر بنك التنمية الآسيوي الذي أُنشئ عام 1966 ويتخذ من مانيلا مقرا له، مصدرا كبيرا لتمويل التنمية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ حيث انفق 17.5 مليار دولار في عموم المنطقة لبناء المدارس وتحسين البنى التحتية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار في القطاع الخاص وتشجيع التكامل الاقليمي. وهذا الهدف الأخير كان مضمارا متميزا لنجاح بنك التنمية الآسيوي.
العالم العربي من ناحيته يعاني من هزالة التكامل التجاري. وبعبارة بسيطة فان تجارة العرب مع غير العرب تفوق بكثير تجارتهم فيما بينهم. وسيكون بنك التنمية العربية في موقع مثالي لمعالجة هذا الخلل.
وما زالت اقتصادات عربية عديدة تخضع لهيمنة الدولة، ولا بد ان ينهض القطاع الخاص بدور اكبر. وأخذت المؤسسة المالية الدولية، ذراع البنك الدولي لتطوير القطاع الخاص، تستثمر في القطاع الخاص للأسواق الناشئة والبلدان النامية منذ عام 1956.
وتقدم المؤسسة المالية الدولية مثالا هاما لأنها منظمة ذات ربحية عالية اثبتت ان الاستثمار في الأسواق الناشئة والطرفية يمكن ان يكون استثمارا مربحا وبذلك المساهمة في تعزيز ثقة القطاعات التجارية الأخرى بصفة عامة. وبالتالي فانها ليست مستثمرا فحسب بل هي عامل مساعد للاستثمارات الأخرى ايضا.

ويمكن لبنك التنمية العربي المقترح ان يستعير افضل ما في هذه المؤسسات الثلاث من ممارسات وفي الوقت نفسه ايجاد طريقه الخاص. وسياسيا سيحتاج البنك الى داعم ومستضيف. وستكون دولة الامارات العربية المتحدة بسبب نجاحها الاقتصادي، خيارا منطقيا لهذا الغرض.
ان تفشي البطالة ونقص تشغيل الأيدي العاملة اشبه بالسرطان الذي يأكل الفرد والمجتمع ببطء مؤديا الى الاكتئاب واليأس والاغتراب والى المأساة النهائية المتمثلة بطاقات مهدورة.
فالشاب الذي يدخل مرحلة البلوغ مفعما بالأمل والطاقة والقدرات الانتاجية يمثل رأس مال لا يُعوض لأي بلد.
كما ان توفر فائض من الشباب يمكن ان يشكل هبة سكانية. فان تسارع النمو في شرق آسيا كان مدفوعا بجيش من الشباب الذين دخلوا سوق العمل وجرى تشغيلهم على نحو منتج. والوقت ينفد امام تحويل التركيب السكاني للعالم العربي الى هبة بدلا من ان يكون عبئا.

افشين مولافي زميل في معهد اميركا الجديدة، وهو مؤسسة ابحاث مستقلة، ومستشار أقدم في شركة اوكسفورد انالاتيكا العالمية للأبحاث والاستشارات.