ظاهرياً، أظهرت السلطة السورية ابتهاجاً على خلفية التناقضات والتناحرات التي جرت مؤخراً بين أطراف المعارضة السورية في الخارج، وروجتها شبكات إعلامها كإنتصار على المعارضة، وتثبيت لشرعية السلطة وقوتها. ضمنياً، أمتعضت السلطة السورية وأصابتها الإحباط جراء الإختلاف بين أطراف المعارضة، خسرت الطغمة الحاكمة على خلفية ذلك الصراع، وعدم الإتفاق، إحدى أهم مرتكزاتها، إيمانها بديمومتها في السلطة، كما إنها خسرت في إبعاد شبح التدخل الخارجي المتوقع تؤيله في مجلس الأمن بعد الفشل الذي سيلحق بالجامعة العربية، علماً أن الأخيرة ستعطيها مهل إضافية أخرى.

كان للنظام السوري الدور الرئيس في إجراء تلك المحادثات، طلب من أطراف متنوعة بالتدخل، وبشكل خاص من بعض دول الجامعة العربية اللاتي ستجتاهم الثورة في القادم من الزمن والمنحازة لمفاهيم الكتاتورية في السلطة، لتقريب أطراف المعارضة إلى بعضها وتثبيت البنود التي تطالب بها هيئة التنسيق الوطنية.

إنتقادات قاسية وعديدة ومن أطراف متنوعة، ومن بينهم الكتلة الكردية، أنهالت على لجان المجلس الوطني السوري الذين أقدموا على الإتفاقية مع هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي...(قوى التغيير وليس إسقاط، وهنا نقطة الإختلاف الكبرى بينهم وبين الثورة الشبابية) ليس فقط بسبب البنود التي تضمنتها الإتفاقية بل ضد التعامل مع هذه الكتلة بالذات والتي ينظر إليها من قبل الشارع السوري على إنها من صنع السلطة، إضافة إلى أن الإتفاقية في ماهيتها تبرز تراجعات بينة عن مطالب الثورة والثوار الشباب. علماً بأن الجامعة العربية اشتركت بشكل مباشر في هذه الصفقة التجارية المؤسفة، رغم التراجع الذي صرح عنه فيما بعد، والتي عمولتها كانت من دماء شهداء الحرية في سوريا.

الأغلبية في الأطراف التي تدعي المعارضة يمثلون الكتل السياسية التي تنتمي بشكل أو آخر إلى الثقافة العدمية التي لاترى العالم إلا من خلال مصالحها الحزبية الضيقة، وهي الثقافة التي طغت على سوريا الوطن منذ أكثر من نصف قرن، وهذه الأطراف ينتمون بشكل أو آخر إلى جملة الأنظمة التي ستنهار بعد إنهيار السلطة الحالية وبعد نجاح الثورة في القادم من السنين.

كتبت قبل شهور مقالا تحت عنوان quot; أوباما يبحث عن المعارضة السورية quot; ، ولا يزال البحث جار، لهذا لا الدول الخارجية جادة في إسقاط سلطة الأسد في هذه الفترة، ولا المعارضة الخارجية ناضجة للحلول في مكان السلطة الحالية. وفي الواقع لا المجلس الوطني السوري ولا هيئة التنسيق الوطنية ولا المجلس الوطني الكردي، يستطيعون بهذا التشرذم وفي غياب خريطة طريق واضحة، إقناع العالم الخارجي والدول الكبرى في جلبها إلى جانبها بشكل تام ليضعوا الخطوط النهائية لعملية التغيير ووضع الخطة على المحك الفعلي والجاد، وهنا لا نتحدث عن اسقاط النظام، بل تغيير السلطة، والتي بدأت تبحث فيها منذ بداية دخول المراقبين العرب إلى سوريا، وعلى الأغلب إنها واحدة من البنود التي أقترحتها روسيا حول استبدال بشار الأسد مع حصانة دبلوماسية تامة له ولآل الأسد وحاشيتهم، إلى ما هنالك من مقترحات مشابهة للخطة التي طبقت في اليمن، الجميع يدرك أن هذه الطريقة لن تخمد الثورة، لكنها ستؤدي إلى خطوة مهمة جداً وهي وقف إراقة الدماء في الشارع السوري، وربما ستؤدي إلى مسيرات اقل عنفاً وأقل مواجهة مع القوى الأمنية.

تتبين هذه الخطة من خلال المحاولة الأخيرة التي جرت في أروقة جامعة الأنظمة العربية، خاصة عندما تدخلت عدة جهات لتجميع أطراف المعارضة المتناقضة من حيث المفاهيم والإنتماءات والمطالب، رغم إن معظم هذه الأطراف لا يعيرون الداخل الثوري كثير أهمية، ولايهتمون بمفاهيم شباب الثورة إلا عند الحاجة، رغم أنهم أصحاب الثورة وروادها وملهميها وحاملي رايتها، والبديل بينهم جاهز ولهم القدرة على تسيير الدولة بالطرق المثلى، لكن خوف بعض الأطراف من أن النهاية سوف لن تكون للسلطة السورية فقط، بل للعديد من الكتل السياسية الكلاسيكية التي تدعي نفسها بالمعارضة، لهذا ولغيرها من الأسباب يعارضون ضمنياً تسليم السلطة إلى شباب الثورة، بالضبط مثلما حصلت في الدول التي سبقت سوريا، وقوضت فيها أركان السلطات السياسية الطاغية، وحصل إستيلاء عليها من قبل الأحزاب الكلاسيكية وفي مقدمتهم الإسلاميين السياسيين، حتى ولو كانت عن طريق عمليات إنتخابية ديمقراطية، لكنهم أنفردوا بالسلطة في كثيره، ولم يشاركوا أصحاب الثورة لا في الإنتخابات ولا في الحكم، ولم نرى وجه شاب من شباب رواد الثورة في أي من المراكز السياسية العليا، بقيت نفس الوجوه المخضرمة من الأجيال المهترئة سياسياً والتي تتلكأ عندما تضرب أصابعها على لوحة المفاتيح. معظمهم إنتهازيون لايمثلون الثورة بأي شكل من الأشكال، ولاتدخل في أجنداتهم خطط لتقويض الأنظمة، بل همهم الإستيلاء على السلطة.

ستدوم المماطلة العربية والدولية حول الثورة السورية ومصير السلطة النهائي إلى أن تنضج المعارضة الخارجية، حسب رغبات القوى الكلاسيكية، ويوم بعد يوم تنبثق الأسئلة حول مدى تزايد قدرات أطراف المعارضة في الخارج، وماهية الوجوه التي تطرح نفسها على الواجهة، وتزايد دعم سلطات عربية لهيئة التنسيق الوطنية في الداخل والمرفوضة من الثورة الشبابية، كل هذا ودون دراسة فعلية لمفاهيم الثورة ضمن الأروقة السياسية، أو مشاركتهم في الحوارات التي تجري في الخفاء، الثورة الشبابية الحقيقية في الداخل والشباب الذين يجوبون ساحات المدن مجابهين الشبيحة هم وحدهم الحق في إستلام السلطة، وما يجري خارج المجال الإعلامي، تعد تجارة عفنة، رغم إنها ستؤدي إلى تقويض الحكم وإزالة آل الأسد، لكنها ستكون بعيدة عن تحقيق مطالب الثورة التي تطالب بإسقاط النظام وليس بالتغيير، وهذا ما نسميه بداية المرحلة الأولى من الثورة، والتي ستبقى مستمرة إلى أن تأخذ العدالة الإنسانية حقها من تجار الدم.


الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]