يعتبر مفهوم الاعلام المحايد او المسمى بالمستقل. حديثا نوعا ما.بعد ان شهد العالم تطور غير مسبوق فى تقنية انطمة الاتصالات.وفى تعدد مصادر المادة الاعلامية.وبعد التغييرات الجذرية والعميقة التى اجتاحت العالم.منذ سقوط جدار برلين فى 9 نوفمبر 1989 م.وبداية النهاية للحرب الباردة.والصعود المتنامى لقوى اقتصادية جديدة عالميا.وتنامى الوعى الاقتصادى بضرورة ايجاد حلول جادة وحقيقية للخروج من حالة الركود وتفشى البطالة والفساد.وازدياد الضغط الاجتماعى باتجاه احداث تغييرات فى الواقع السياسى والتغييرالشامل لماهو سائد لعقود من الزمن.اى ان حتمية انفتاح وسائل الاعلام المقرؤءة والمكتوبة والمسموعة.صار امرا ملزما لضرورته.ولقد تجاوز الاعلام فى معظم الدول هذه الخطوة.باستثناء بعض الدول والتى لازالت ترزح تحت حكم انظمة شمولية لاتؤمن اساسا فى انفتاح الاعلام وتداول المعلومات.وشفافية الوصول اليها.والتى هى ايضا فى طريقها الى الانفتاح ومامسالة تغييرها. الا موقعها فى جدولة حدوثها.والذى يعتمد اساسا على قدرة هذه الشعوب على كسر حاجز الخوف والتردد للتخلص من الهيمنة التى تتمتع بها هذه الانظمة على مقدراتها.

ولقد كان للاعلام والمعلومة بصورة عامة الاثر الكبير فى التاثير على مجريات الاحداث عبر التاريخ.وتطور هذا التاثير لاحقا ليكون جزءا اساسيا من منطومة الصراع الفكرى. والنفسى. للسيطرة. والتوجيه بصورة مباشرة مرئية واضحة او مخفية تاخذ اشكالا متعددة.ولكنها فى النهاية ذات غايات واهداف محددة رسمت معالمها بدقة.ولم يعد الاعلام كما كان منذ عقود سحيقة. مجرد ناقل للحدث. محللا له.بقدر ما اصبح فى العقود الاخيرة صانعا له.متحكما فيه الى حد بعيد.

وفى احيان كثيرة مسيرا لمجرياته.وفى بلدان عانت ولاتزال لقرون من التخلف والانحطاط فى شتى المجالات.كان التوجه الى مكامن الضعف فى الوعى (السياسى،الاقتصادى،الاجتماعى ) لدى شعوب هذه البلدان هو القاسم المشترك للمادة الاعلامية المطروحة اساسا. وتاتى المنطومات التقنية والفنية كعنصر جذب واستقطاب ثانيا.وكثيرا مايظن البعض ان مجمل عملية الاعلام عفوية اوجدتها ظروفها الانية.وينسى انها سلعة ومشروع اقتصادى بنية الكسب.اما نوعية الكسب فتحدده الغايات النهائية من وراء هذا المشروع.وهذا يعنى ان دراسة الجدوى الاقتصادية او الاجتماعية او السياسية والنفسية.وما يتطلبه المشروع او الموسسة او الشركة من امكانيات قد تكون ضخمة جدا احيانا. والتى تتطلبها اية وسيلة اعلامية حديثة.من تمويل الى كادر فنى متخصص الى معدات ووسائل اتصالات عبر الاقمار الاصطناعية.قد تم اشباعها بجميع العناصر التى توهله للنجاح وشق طريقها الخاص فى عالم الاعلام.وهذا هومايجعل الاصطفافات الاعلامية على حدته. لابرازتكتلات اعلامية قادرة على المنافسة فى عالم يضج بالعشرات من الموسسات الاعلامية الكبيرة.ويبقى العامل الحاسم فى كل هذا وذاك التمويل.وهو الحاضر الغائب فى معادلة الضخ الاعلامى والمادة الاعلامية.اهدافها.غاياتها.ولمن.ولربما كان هذا العامل بالتحديد وراء ظهور وسائل اعلامية مختلفة فى توجهاتها وطريقة مخاطبتها لعامة الجمهور.تبعا للغايات الحقيقية التى انشئت من اجلها.والطريقة التى يتم من خلالها عرض تلك الغايات للوصول الى المتلقى.الذى هو بطبيعة الحال المستهلك النهائى للمادة الاعلامية.والذى تاخذ جميع الوسائل الاعلامية فى اعتبارها نوعية وكمية وجودة المادة الاعلامية المقدمة اليه.ومدى تاثيرها فيه وماهى وردة فعله ازاءها.من خلال مراكز خاصة للاحصاء والتطوير والمتابعة.وبالقاء نظرة سريعة على تاريخ المادة الاعلامية الرسمية فان تلك العلاقة المفترضة بين المقدم والمتلقى تكاد تكون مبهمة او فى احسن الاحوال مشكوك فى صدقيتها.فهى لاتعدوا ان تكون وسيلة لقضاء الوقت للبعض او للتندر للبعض الاخر.اذ ان معظم التحولات العميقة التى حدث فى حقبة مابعد الحرب العالمية الثانية وفيما عرف بالعالم الثالث كانت تستهدف قمة الهرم السياسى.والاستيلاء على السلطة من خلال الانقلابات العسكرية حيث يلعب الجيش والقوى الامنية الدور الاساسى لحسم الصراع.والذى غالبا ما ياتى باستبداد وتسلط جديد. ومن خلاله كانت تتم صياغة جميع عمليات اعادة تشكيل الدولة والمجتمع.والتى عادة مايكون الاعلام وسيلة.لاعادة تعبئة المتلقى. بما يخدم مصالح القادمين الجدد الى السلطة.وتعزيز هيمنتهم.والتى يهدر المجتمع خلالها جزء كبيرا من المال العام.كان الاجدى ان يوجه الى التنمية الاجتماعية.لقد كان لضاْلة تاثير القوى السياسية الاثر الاكبر فى كل ماكان يحدث للمجتمعات من انتكاسات تعيده الى الوراء او تبقيه فى احسن الحالات فى وضعه السابق. بسبب التهميش الممنهج له من قبل الدولة.كما كان ولايزال لمحدودية الوعى السياسى والاجتماعى والاقتصادى وارتفاع معدلات الجهل والفقر والمرض.نتائج تراكمية خطيرة.ادت الى بقاء هذه المجتمعات لعقود طويلة بعيدة عن اى تطور.ومنها الاعلام.ان تسليط الضوء على ان كون الاعلام جزء من حالة سياسية ndash;اقتصادية-اجتماعية ربما يفسر الى حد بعيد تلك الفوضى الاعلامية السائده حاليا فى تناول المعلومة.اذ ان انعدام الرؤيا الاعلامية الواضحة المشتركة.للغايات والاهداف التى يراد ايصالها الى عموم المجتمع(وهو مايفترض حدوثه فى عالم الانفتاح الاعلامى للحفاط على الكيان الاجتماعى من التفتت).يعنى فى نهاية المطاف محاولة لهيمنه اعلامية لطرف على حساب طرف اخر.مما يعيد المجتمع الى حالة من الصراعات الفكرية والسياسية والتى عادة ماتتطور فى بلدان خرجت لتوها من تحت عباءة الاستبداد.الى صراعات مسلحة.الخاسر الابدى فيها المجتمع نفسة.اذ تتشتت طاقاته وتتشظى توجهاته.ويكون ثمن الاستقرار الذى هو اساس التطور باهضا جدا.وتكون من اولى مسؤؤليات الاعلام تقديم سلة من الاراء والافكار لاتعتمد فى تمريرها الى المتلقى على جهلة اوغرائزه او اثارة نوازع الكراهية والثائر لديه.او تطعيمه ضد كل ما يخالف راءيه.ان المتتبع للكم الهائل من وسائل الاعلام فى الوقت الحاضر.سيرى وبكل وضوح مقولة quot;انا ومن بعدى الطوفان quot; ولن تجد اعلاما لايرفع شعار quot;الرائ والراى الاخر quot;.لكنه لايتيح للراى الاخر الا نفقا ضيقا قد لاتمر من خلاله الا بضع سطور. او جمل معدودة.وكثيرا مانجد وسائل اعلام تقول ان جميع الاراء متاحة للتداول والنقاش ولكنها تلتف حول الاراء المغايرة لتوجهاتها من خلال تسطيحها لااراء الاخرين او جعلها مجرد موضوعات ليس لها قيمة على ارض الواقع.معتمدة على ان المتلقى ربما قد لايمتلك تلك الثقافة الرصينة التى يستطيع من خلالها فرز الحقيقى من الزائف او انه قد لايدرك حقيقة مايجرى.ولو ان المتلقى بذل جهدا فى تفحص تاريخ اصدارات هذه الوسيلة الاعلامية او تلك وموضوعاتها المتنوعة. فقد يتوصل سريعا الى استنتاج مفاده quot;ان لارائ مخالف للسياستها الاعلامية قد اخد حقه فى التعبير بحرية quot;.ولانقد او لوم على اية وسيلة اعلامية فى رسم سياستها التى تحقق الهدف من انشاءها.لانها ببساطة نتاج مجتمعات قامت على تربية ممسوخة تسير فى جميع الاتجاهات وليس لها توجهها الخاص بها.وحتى هذه الخصوصية المزعومة التى يتشدق بها قد جرت الى متاهة التاويلات.والتفسيرات المتعدة.بحيث انها فقدت قيمة. واهمية. التعددية الفكرية فى ايجاد ارضيات متطورة مشتركة.تاخذ الجميع نحو احترام حرية التعبير وامتزاج الاراء والعمل المشترك لبناء تراكمى.ياخذ على عاتقه رفع مستوى الوعى بالمسوْليات التاريخية للفرد فى تنمية المحتمع. يكون رافدا له فى المستقبل.

[email protected]