لم يهاجم رئيس وزراء عربي أو يتهم نظام الأسد في سوريا بتصدير الإرهاب والإجرام لبلاده كما فعل سابقا نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي. وفجأة بقدرة آمر اسمه آية الله علي خامئني يتحول المالكي إلى داعم للنظام السوري الحليف اليوم الإرهابي سابقا. وهذا ليس تجنيا على السيد نوري المالكي (رئيس الوزراء منذ مايو 2006 ويسعى لولاية جديدة أي حتى عام 2018 ) بل مثبت بدقة متناهية، فهو الذي طالب شخصيا يوم الإثنين الموافق الثاني من نوفمبر لعام 2009 الأمم المتحدة بالتحرك ل quot;وقف نزيف الدمquot; وايقاف quot;التدخل الإقليميquot; في العراق. وآنذاك أعلن أوسكار فرنانديز تارانكو مبعوث الأمم المتحدة،مساعد الأمين العام للشؤون السياسية، تأييد المنظمة الدولية لمطالب نوري المالكي. وحسب بيان صدر عن مكتب المالكي خلال استقباله للمبعوث الدولي ذلك اليوم، قال المالكي: quot; لقد آن الأوان لأن تتحرك الأمم المتحدة من أجل ايقاف نزيف الدم الذي ينطلق من العقلية المدمرة لحزب البعث والقاعدةquot;. وأكّد المالكي أنّ quot; أدلتنا واضحة رغم إنكار ما قدمناه من اثباتات ومن أدلة، اطلعنا عليها وزير الخارجية التركي واعتبرها أدلة قوية، وإنّ ما نطلبه منهم هو ايقاف الدعم المقدم للإرهابيين والبعثيين المطلوبين للقضاء العراقي والشرطة الدولية الانتروبول...إنّ العمليات الإرهابية التي حدثت مؤخرا كان ثلاثة من المسؤولين عنها من حزب البعث، ويتلقون الدعم من حزب البعث في سوريا وقد إعترفوا بذلك quot;. ومما لا يمكن نسيانه هو أنّ المالكي عقب سقوط نظام صدام حسين في نيسان 2003 ، كان معينا من قبل سلطة الإئتلاف المؤقتة برئاسة حاكم العراق الأمريكي بول بريمر، نائبا لرئيس هيئة اجتثاث البعث العراقي.
هكذا كان مالكي عام 2009 فكيف أصبح بعد ثورة الشعب السوري؟
موقف نوري المالكي السابق الموثق بدقة، يتغير إلى النقيض من نظام البعث الأسدي المستأسد على الشعب السوري والمسالم بلطف متناه مع الاحتلال الإسرائيلي، فيصبح نوري المالكي هو ثالث الثلاثة الداعمين الرئيسيين المباشرين للنظام المتوحش في سوريا: نظام الملالي في إيران بالمال ومقاتلي الحرس الثوري الإيراني، وحزب الشيطان اللبناني لصاحبه ومالكه الوحيد (حسن نصر الوحش ) بألاف المقاتلين الذين أصبحت أولويات سيدهم دعم الوحش وليس قتال الاحتلال الإسرائيلي حيث لم يطلق هذا الحزب ومالكه الوحيد طلقة ضد الاحتلال منذ اجتياح عام 2006 ، وقد شيّع هذا الحزب حتى الآن علانية في دويلته المستقلة في الضاحية الجنوبية من بيروت عشرات القتلى الذين قتلوا وهم يقتلون الشعب السوري وثواره، وثالث الثلاثة أصبح رغم مواقفه السابقة هو نوري المالكي رئيس وزراء العراق، الذي أثبتت الوثائق المنشورة دعمه لنظام الوحش السوري بالنفط العراقي المسلوب من الشعب العراقي متزامنا مع مواقفه الاستبدادية من احتجاجات الشعب العراقي المطالب بالحرية والعدالة بعيدا عن الحسابات الطائفية التي تحرك المالكي وغالبية حكومته، وهذا دليل على أنّه يأتمر بأوامر أسياده في طهران الذين يسرحون في العراق منذ سنوات رئاسة المالكي وكأنّ العراق بكامله أصبح محافظة إيرانية بشكل علني لا يخفيه المالكي بدليل تصريحه الذي قال فيه حرفيا:
( أولا أنا شيعي، وثانيا أنا عراقي، وثالثا أنا عربي، ورابعا أنا عضو في حزب الدعوة )
وهذا مثبت في افتتاحية صحيفةquot; الجارديانquot; البريطانية ليوم الرابع عشر من ديسمبر لعام 2011 نقلا من المؤتمر الصحفي لنوري المالكي، حيث كان ذلك هو جوابه لصحفي سأله أن يعرّف نفسه أي أن يعرّف من هو نوري المالكي كما يفهم ويعتبر نفسه، فكانت إجابته هي المذكورة، مما يعني أنّ اولوياته الأربعة حسب الترتيب الذي يعيشه ويحكم به هي:
1 . هو شيعي.
2 . هو عراقي.
3 . هو عربي.
4 . هو عضو في حزب الدعوة.
وهذا الترتيب لأولويات مالكي العراق، جعل الصحيفة البريطانية نفسها تستغرب وتستهجن معلقة حرفيا:
(هل توجد فرصة لقيام دولة وطنية، عندما يضع رئيس وزرائها هويته الطائفية قبل هويته الوطنية). من هذه الخلفية الطائفية بأوامر ملالية إيرانية كان:
دعم وحش سوريا بنفط الشعب العراقي،
وكانت صحيفة quot;المستقبلquot; اللبنانية أول من كشفت عن هذه المعلومات في عددها رقم 4453 بتاريخ الثامن من أيلول لعام 2012 ، نقلا عن مراسلها في بغداد quot;علي البغداديquot; إذ نقل عن مصادر عراقية مطلعة، استمرار تدفق شحنات كبيرة من المشتقات النفطية من مصافي النفط العراقية لدعم نظام الأسد في مواجهة الثورة السورية. ونقل المراسل عن مصادر أنّ quot;عاملين في مصفى بيجي شمال بغداد الذي يعدّ من أكبر مصافي النفط في الشرق الأوسط، أكدوا أنّ شاحنات نقل النفط والمنتجات النفطية العراقية، تقوم بشكل مستمر بنقل كميات كبيرة من الوقود إلى سوريا ليلا بعيدا عن الأنظار لضمان السرّيةquot;. وأشارت نفس المصادر إلى quot;أنّ شحنات النفط المصدرة مجانا إلى سوريا تتضمن أنواعا من الوقود الخاص بالدبابات والمدرعات أو ما يمكن استخدامه في الطائرات التي تستخدمها القوات النظامية في قمع الاحتجاجات أو قصف المدن السورية، خصوصا أنّ سوريا تخضع لعقوبات اقتصادية شديدة تعيق عمل المصافي السورية التي تعاني من نقص كبير في منتجاتها النفطيةquot;.
ثم أكّدت صحيفة quot;فاينانشينال تايمزquot; البريطانية هذا الدعم النفطي المالكي لنظام الأسد، في الإسبوع الأول من أكتوبر لعام 2012 حيث أكّدت الصحيفة أنّ لديها وثائق تثبت أن (الحكومة العراقية التي يرأسها نوري المالكي اتفقت في حزيران الماضي (2012 ) على إمداد سوريا ب 720 ألف طن من الوقود في صورة شحنات شهرية كجزء من تعاقد إمدادات مدته عام وقابل للتجديدquot;. ومن المهم أن كشف هذه الوثائق جاء في نفس الوقت الذي أكّد فيه مسؤولون أمريكيون أنّ حكومة المالكي تسمح بمرور الطائرات الإيرانية التي تحمل السلاح لجيش بشار الأسد في مواجهة ثورة الشعب السوري، وقبل ذلك في العام 2011 امتنعت حكومة المالكي عن التصويت في الجامعة العربية على قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة وفرض عقوبات على نظام الأسد.
وأخيرا جاءت اثباتات تحقيق وكالة رويترز،
الذي نشرته العديد من وسائل الإعلام العربية الورقية والإليكترونية، والأكثر إثارة هو نشر موقع quot;اليوم السابعquot; المصري لهذا التحقيق يوم الثلاثاء، الرابع والعشرين من ديسمبر 2013 ، بعنوان ( إمدادات النفط العراقي تصل إلى سوريا سرا عبر مصر). وتحقيق وكالة رويترز يعتمد على وثائق تجارية تثبت العديد من المعلومات الخطيرة منها:
1 . إنّ ملايين براميل النفط العراقي تصل إلى نظام الأسد في سوريا على متن سفن إيرانية تصل من العراق بتسهيلات من شركات تجارية لبنانية و مصرية، وما يشجّع هذه الشركات على تحدي العقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد هو تلقيها عوائد مالية أعلى بكثير من الأسعار التجارية المتعارف عليها.
2 . أهم الشركات التي تقوم بهذه الأعمال غير القانونية دعما لنظام الأسد هي شركة الناقلات الوطنية الإيرانية، حيث ذكر التقرير أسماء أربع ناقلات تابعة لها، وللتحايل على القوانين المصرية والدولية تقوم الشركة بتغيير أسماء هذه الناقلات من حين إلى آخر وترفع أعلام دول أخرى مثل تانزانيا عند الرسو أو التحميل من موانىء مصرية.
3 . تأكيد مصدر ملاحي في الشرق الأوسط أن النظام السوري استورد ما يصل إلى 17 مليون برميل من الخام بين شهري فبراير وأكتوبر 2013 ، نصفها وصل من إيران مباشرة والباقي من ميناء سيدي كرير في مصر، وأنّ نصف هذه الكمية على الأقل مصدرها العراق. وتعتمد العملية على خروج النفط من العراق ثم يجري نقله إلى سيدي كرير من خلال خط أنابيب سوميد الذي يمتد من البحر الأحمر إلى الميناء الواقع غربي الإسكندرية ثم يجري تحميله على الناقلات الإيرانية التي توصله لميناء اللاذقية في سوريا.
إنّ مواقف مالكي العراق المتقلبة من نظام الأسد ليست سوى املاءات إيرانية لا يسستطيع رفضها لأسباب طائفية حسب أولوياته التي أعلنها صراحة. ورغم ذلك مهما طال عمر نظام الأسد المتوحش فلا بد من زواله حتى لو تمّ تمديد حكم المالكي لولاية ثالثة، وهذا هو الأكثر ترجيحا مما يعني المزيد من النفط العراقي لنظام الوحش، وكل هذا على حساب ثروة وحرية الشعب العراقي المنكوب بهكذا حكومة ورئيسها، إذ يقمع الاحتجاجات الشعبية العراقية ضده بنفس أساليب وحش سوريا، وبالتالي هذا هو سرّ الصداقة والدعم بين النظامين المالكي والأسدي. ونؤكد صراحة الرفض المطلق لأي نظام طائفي سنّي أو شيعي، لأنّ الوطن فوق مصلحة الجميع.
www.drabumatar.com