الشعوب في المنطقة لم تجن غير الأسوأ من ثورات ما يعرف بالربيع العربي، وللعام الثالث علي التوالي، فبدلا من الديمقراطية الموعودة تدهورت الأوضاع الأمنية (والاقتصادية) تدهورا مريعا وأصبح الصراع الداخلي في معظم هذه البلدان علي (شكل الاستبداد) وليس علي مضمون الديمقراطية!
معظم المعارضين للأنظمة الاستبدادية السابقة علي يناير 2011، تمثل هدفهم الأساسي في التخلص من الماضي، وليس بناء المستقبل. ومن ثم كانوا أقرب في تفكيرهم إلي quot; مبارك quot; اوquot; القذافي، quot; وأبعد كثيرا عن فكر الشباب الذي أتي بهم إلي السلطة. ولهذا فإن ما حدث أشبه ما يكون بالصراعات quot; القبلية quot;، وليس بين حركات سياسية قادرةٍ علي بناء نظام ديمقراطي يؤمن بالتعددية والاختلاف ..
الرابح الوحيد مما جري ndash; وسوف يجري ndash; في الشرق الأوسط هو جماعات الإسلام السياسي ووأجنحتها العسكرية الإرهابية والعصبات الإجرامية الموالية لها، حتي لو ظهر في الأفق الآن (العكس). فقد دخلت منطقة الشرق الأوسط، في مرحلة من الفوضي قد تستمر لعقود، علي غرار ما حدث في أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين. وقد تجتاح المنطقة موجة عارمة من الحروب والثورات والحروب الأهلية في العام 2014 وما بعده.
وتمتد حدودها من المغرب غربًا، مرورًا بباكستان، وحتي حدود الهند شرقًا. ومن الصومال جنوبا إلي الحدود الروسية شمالا. أي ذلك الجزء من العالم الذي يسمي quot;الشرق الأوسط الكبيرquot; الذي يضم كذلك منطقة القوقاز والجمهوريات الآسيوية السوفيتية السابقة، واليوم فقط (29 ديسمبر 2013) وقع أحدث تفجير ارهابي في محطة قطارات مدينة quot; فولغوغراد quot; جنوب روسيا، أسفر عن مقتل 15 شخصا، وجرح 34 آخرين.
لم تعد أمريكا تميل إلي التدخل في سياسات الشرق الأوسط باعتباره منطقة تعوم علي برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، خاصة وأن غالبية الدول العربية تشهد حاليا أحداثا دراماتيكية نتيجة لتغير (موازين القوي الداخلية) سواء بين النظم العسكرية وجماعات الإسلام السياسي، أو بين الشيعة والسنة، بل وبين السنة والسنة!
فقد كشف أحدث تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية (بالأسماء والأرقام والتواريخ) كيف تحارب quot; قطر quot; ضد نفوذ وخطط المملكة العربية السعودية علي الملعب السوري، وكيف تتحالف قطر مع (تركيا) ndash; من خلف ظهر السعودية - في تمويل الجماعات الإرهابية التابعة تنظيم القاعدة في اليمن والعراق أيضا، ومحاولة السيطرة علي المعارضة السورية (المدنية) التي تدعمها المملكة وبعض الدول الغربية؟ ... بينما (يفترض) أن المحور السني (السعودية ndash; قطر ndash; تركيا) يقف في خندق واحد في مواجهة الهلال الشيعي الإيراني!
أما أحدث التحالفات التي كشفت عن انقسام (سني ndash; سني) فهي الأخطر علي الإطلاق، فقد رحبت تركيا بشكل لا لبس فيه بالاتفاق النووي المؤقت الذي تم التوصل إليه في نوفمبر عام 2013 بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد (البلدان الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا). لأن تركيا أردوغان تدرك تمام الإدراك أن هذا الاتفاق قد يقلب توازن القوى الهش في الشرق الأوسط.
تأتي هذه القناعة التركية انطلاقا من أمر أساسي هو أن مستقبل التطورات في الشرق الأوسط سيعتمد إلي حد كبير علي نوع العلاقات الإيرانية- ‬الأميركية خلال الفترة المقبلة.‬ وهو ما يشير إلي أن التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط هي جزء من عملية إعادة هيكلة الفضاء الجيوسياسي التي يشهدها العالم في القرن الحادي والعشرين، وربما علي حساب العرب أساسا.
يقول quot; سنان أولجن quot; الدبلوماسي التركي السابق والباحث في مركز درسات الاقتصاد والسياسة الخارجية بأسطنبول : quot; على النقيض من الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية، تشعر تركيا بارتياح عام إزاء التداعيات الجيوسياسية المترتبة على الاتفاق النووي .. التوترات بين السعودية وإيران سوف تصبح أكثر حدة في السنوات المقبلة، وسوف تشكل العامل الرئيسي المزعزع للاستقرار في المنطقة. وفي هذا السياق يصبح الدور الذي تلعبه تركيا (كقوة علمانية) قادرة على تجاوز الانقسام الطائفي أعظم أهمية من أي وقت مضى.quot;.
لا ينبغي لأحد أن يتحدث ndash; بعد اليوم - بيقين الواثق عن (المؤامرة الصليبية ndash; الصهيونية) علي العرب والمسلمين، فما الذي يمكن أن يفعله الغرب (الكافر) أو الشرق الملحد (أو السماء نفسها) بنا أكثر مما نفعله نحن بأنفسنا؟
وكل عام وأنتم بخير
عصام عبدالله