تساءلت قبل أيام قليلة تعقيبا على ما يجري من استدعاءات للتحقيق مع أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين من قبل إدارة الرابطة قائلا: (في الأردن: رابطة كتاب أم مكتب تحقيقات أمنية؟). وكان ذلك في سياق التضامن مع الزميلة رانية الجعبري على خلفية استدعائها من قبل رئيس الرابطة الدكتور موفق محادين للتحقيق معها quot; بسبب موقف أخلاقي مهني لها متضامنة مع زملائها المفصولين من الجريدة اليومية (العرب اليوم) التي توقفت لفترة ثم عادت للصدور مجددا، دون إعادة غالبية الصحفيين والكتاب الذين تمّ طردهم ودون صرف مستحقاتهم المالية، بينما شذّ عن هذا الموقف رئيس الرابطة quot;موفق محادينquot; وعاد للكتابة من جديد في الصحيفة، متناسيا الموقف الأخلاقي الذي يفترض منه الوقوف مع زملائه المفصولين، وأن يرفض العودة إلى الكتابة في الصحيفة قبل عودة هؤلاء الزملاء وصرف مستحقاتهم الماليةquot; وقد اتخذ كتاب آخرون هذا الموقف الأخلاقي المهني ومنهم الكاتب المعروف أحمد أبو خليل.
مكتب تحقيقات ومراقبة أمنية فعلا
تطورات الأيام اللاحقة داخل إدارة رابطة الكتاب الأردنيين، أثبتت فعلا وميدانيا أنّ الإدارة تتحرك من خلال عقلية أمنية رقابية بحتة تنزع من خلالها أن يستنسخ أعضاء الرابطة أفكار ومواقف إدارة رابطتهم، وهذا لا ينسجم مع رسالة الكاتب الذي يملك حق التعبير عن آرائه ومواقفه في كافة الموضوعات بدون رقابة مسبقة، وبعد نشر هذا التعبير الحر كل من يرى فيه مساسا به فاللجوء للقضاء هو الحل الوحيد. وهذا هو المسار الذي تسير عليه القوى والحكومات الديمقراطية حقيقة. فلو جمعنا كل ماكتبه القوميون واليساريون العرب ضد سلبيات وأخطاء إدارة الرئيس بوش الإبن لما ساوت نسبة بالمائة من كتابات وأفلام ومواقف الكاتب والمخرج الأمريكي quot;مايكل مورquot; ضد هذه الإدارة خاصة فيلمه الشهير (فهرنايت 11 / 9 ) ومع ذلك لم يستدعيه الأمن الأمريكي أو أية جهة أمريكية لتطلب منه رؤية الفيلم قبل عرضه، بل بالعكس حاز على جائزة الأوسكار الأمريكية.
بينما إدارة الرابطة الأردنية تفرض رقابة قمعية مسبقة،
حيث عمّمت الهيئة الإدارية للرابطة على أعضائها رسالة عبر البريد الأليكتروني، تطلب منهم حرفيا: quot; مخاطبة الهيئة الإدارية مباشرة بأية ملاحظات أو انتادات أو أية اقتراحات أخرى قبل طرحها في وسائل النشر المختلفة، مع التأكيد على حق الزملاء بنشر هذه الملاحظات أو الانتقادات بعد اشعار الهيئة الإدارية بهاquot;. هل سبق أن طلبت أية هيئة إدارية لأية رابطة كتاب هذا الطلب العلني من أعضائها؟. إنّ العقلية الأمنية التي تسيطر على مواقف الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين تبدو واضحة من هذا التخبط في طلبهم من أعضاء الرابطة، فهم يريدون فرض رقابة قمعية بطلبهم العودة لإدارة الرابطة أولا ثم النشر إن أراد صاحب هذه الانتقادات. كيف يستقيم هذا الأمر وكيف يمكن تبريره أو لماذا العودة لإدارة الرابطة أولا طالما من حق صاحب الانتقادات نشرها بعد مراجعة الهيئة الإدارية؟. إذن المقصود من ذلك هو مراجعة الهيئة الإدارية أولا كي تحاول اقناع صاحب الانتقادات بعدم نشرها سواء بالترغيب أو التهديد، وإن تجرأ على الرفض ونشر آراءه المخالفة لتوجهات الهيئة الإدارية، فعندئذ ليس مستبعدا أن يطلب للتحقيق كما حصل مع الزميلة الكاتبة رانية الجعبري.
قياسا على ذلك كيف يمكن المطالبة بإطلاق سراح الزملاء،
نضال الفراعنة و أمجد المعلا المحتجزين لدى جهة أمنية منذ ما يزيد على مائة يوم بسبب نشرهم مقطع (يوتيوب) في موقعهما quot;جفرا نيوزquot; اعتبرته جهات حكومية يسيء للعلاقات مع دولة عربية، رغم أنّ المقطع ليس من انتاج الزميلين بل منقولا من وسائل إعلامية نشرت المقطع بالعشرات. إنّ موقف الهيئة الإدارية للرابطة يدعم صراحة موقف الجهة الحكومية التي تحتجز الزميلين، لأنّه حسب القياس اللامنطقي يكون من حق الجهة الحكومية هذه أن تقول للزميلين المحتجزين: كان يجب عليكما مراجعتنا في الجهة الحكومية أولا قبل نشركما للمقطع، كنّا نصحناكم أنّه يسيء لدولة عربية فلا داعي لنشره في موقعكما، فهو منشور في عشرات المواقع.
لذلك أتضامن مع الحملة ضد توجه إدارة الرابطة،
التي أعلنها نشطاء أردنيين دعما لحرية الرأي والتعبير، مطالبين quot; الهيئة الإدارية في الرابطة بالتراجع عما ورد في الرسالة والاعتذار للهيئة العامة للرابطة، والتأني عند اتخاذ القرارات وإرسال الرسائل للهيئة العامة، كون هذه الرسائل باتت ترسم صورة تخبط حقيقة تسيء للرابطةquot;. وليت بعض قيادة الرابطة (دون ذكر اسمائهم ) يتذكرون أنّه قبل الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989 كنّا نعيش معا في دمشق، وآنذاك شكّلوا ما عرف بإسم (لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية في الأردن)، وأصدروا عشرات البيانات الخطابية الداعمة لحرية الرأي والتعبير في الأردن ومندّدين بأية تجاوزات في هذا المجال. وبقدرة من لا أعرف يتحول بعض هؤلاء الزملاء داعمين للديكتاتوريات العربية في سوريا الآن وليبيا القذافي سابقا، متجاهلين ثورة ومطالب الشعبين السوري والليبي، وكانت وما زالت مواقف بعضهم استفزازية للشعوب لدرجة أنّ عشيرة واحد من هولاء أصدرت في الأردن بيانا علنيا تتبرأ من مواقف ابن العشيرة هذه وتعلن أنّها مواقف تعبر عن رأيه الشخصي وليست ملزمة للعشيرة.
لذلك ليت الهيئة الإدارية للرابطة تعود للموقع الذي يشرّف الكاتب الملتزم وتعود عن توجهاتها القمعية هذه، معلنة وقوفها مع حرية التعبير والرأي بما فيها النقد العلني المباشر لأية مواقف تتخذها الهيئة الإدارية، بذلك تعزّز مواقف الحملة المطلقة من الصحفيين الأردنيين للإفراج عن الزميلين نضال الفراعنة و أمجد المعلا...فهل يحصل هذا؟.
www.drabumatar.com