ليس من المبالغة القول، ان صناعة الامل هي احدى اهم الصناعات في المجتمعات، سواء المتقدمة ام النامية منها، لكن الدول النامية اشد حاجة من مثيلاتها في الدول المتقدمة نظرا لحجم الاحباط الذي تعانيه تلك المجتمعات، من جراء تراكم عناصر الاحباط لعدة عقود من فقر وجوع وتفشي الامراض والحروب وانعدام الديمقراطية والحرية وما ترافقه من استلاب حقيقي لكرامة الناس وتقليل فرصهم في العيش بسلام ووئام وتحقيق مبدا المساواة والمواطنة والامن بكل عناصره المعنوية والمادية.

ويعد العراق احدى الدول التي عانت مجتمعاتها من ويلات عدة، من بينها الحروب والحصار والاحتلال الذي أتى على الاخضر واليابس في هذا البلد الذي يعد بكل المقايس بلدا غنيا في الثروات الطبيعية والبشرية وفي مكانته الجغرافية المتميزة، وبالتالي استطاع هذا البلد في فترات استقراره من ان يبرز كقوة مجتمعية فاعلة في المحيط الاقليمي والدولي ومتقدم على كثير من المجتمعات في هذه الفترات، لكن ما مر به هذا المجتمع ادى الى تدهور كبير في نوعية هذا المجتمع ونكوص عن دوره الحضاري وظهور امراض مجتمعية عدة، قادت في نهاية الامر الى ان يصبح هذا المجتمع عرضة للتقسيم الحاد والى ادعاءات غارقة في التعميم بان هذا المجتمع العراقي هو عبارة عن مجتمعات لا مجتمع واحد بل يذهب البعض الى الادعاء ان هذا المجتمع هو مجتمع صنعته ارادات خارجية.

ومن الصعوبة بمكان انكار حقيقة مفادها ان المجتمع العراقي يعاني من تدهور قيمي ومادي كبير وعميق، غير ان هذه الامراض لا تقتصر على المجتمع العراقي بل تتعدى في كثير من البلدان، وفي ظل انعدام للبيئة السياسية المستقرة لبلدان عدة ظهرت هذه العوارض المماثلة لدى المجتمع العراقي، ولو اخذنا الظروف التي عاشها المجتمع العراقي وقورنت بمجتمعات اخرى لوجدنا ان حجم التماسك هو اكبر والاعراض تبدو طبييعة مع السياق الذي تمت فيه الاحداث وتجلياتها على مختلف الصعد، وبالتالي فان الاحباط وزراعة اليأس في مجتمعنا العراقي هي صناعة تشترك فيها اكثر من جهة عن قصد او دون قصد، سواء سياسية او اقتصادية او ثقافية، لكنها في المحصلة النهائية استطاعت ان تنبت جذورا عميقة من حالات القنوط وعدم الايمان بمستقبل واعد.

ومن هنا تأتي اهمية صناعة الامل، وهي صناعة تعتريها دروب من العقبات لكنها صناعة نادرة وفن راق ينبغي علينا اجادته، من امم ودول عانت ظروفا قاسية لكنها من خلال صناعة الامل استطاعت ان ترتقي وتعيد انتاج نفسها باسلوب حضاري ناهض، ولا احد يستطيع ان يجادل في التجربتين الرائعيتين لليابان والمانيا وكذلك في فيتنام، وغيرها من الدول التي نهضت من الركام لتصنع مجتمعا فاعلا بكل معنى الفاعلية، وان تسود في مجتمعاتها ثقافة الامل والبناء والعمران وانت تنتقل من اوضاع مميتة الى اوضاع حية من بيئة سيئة الى بيئة ممتازة، من الهامش الى المركز.

ولا شك ان التجارب المجتمعية يمكن ان نتشارك بها وان نقتدي بها لانها نابعة من جوهر واحد هي الرغبة في وضع افضل لكن الفرق ان تتحول الرغبة هذه الى برامج وخطط تنفذ على ارض الواقع.

ولا شك ان معوقات النهوض في المجتمع العراقي هي عقبات كاداء نظرا لكونها تتسم بالتركيب والتعقيد لكن ذلك لا يحول دون السعي من اجل خلق منظومة هي منظومة صناعة الامل، والراغبين كثر لكن اهم نقطة ضعف في المجتمع العراقي انه الى الان لا يحسن العمل الجماعي او العمل التطوعي وينتظر الاخرين من اجل تحقيق ما يرغب به وصدق غاندي حينما قال quot;كن انت التغيير الذي تريد ان تراه في العالمquot; نعم ينبغي ان نؤسس حملة اسمها حملة صناعة الامل في العراق يشترك فيها الكل من اجل الكل من اجل متجمع ناهض وحينها نستطيع ان نقضي على كثير من الامراض المستعصية فمن خلال صناعة الامل تصنع الحياة.