تتسارع الأحداث السياسية حول منطقة الشرق الأوسط دوليا وإقليميا بشكل ملفت للنظر هذه الأيام، أولا بسبب تحركات أمريكا الجيوستراتيجية مع حلفائها من أجل ضرب النظام السوري بعد ثبوت استعماله للسلاح الكيماوي ثم ثانيا بسبب مقاومة النظام القديم في مصر بمعوزة حلفائه إرهاصات إنجاح الانقلاب العسكري العسير الذي مازال مُهدّدا بالفشل شعبيا وسياسيا. على الأرض، مازال القتل والقتل المضاد سيد الموقف وبوادر حرب اقليميا أصبحت وشيكة خصوصا بعد نقل الحرب في سوريا إلى العمق اللبناني وتدخل الطوائف العراقية ومعارك سيناء و أهبة اسرائيل القصوى إلى جانب دعم الأردن وتركيا لتدخل عسكري ضروري وسريع ثم الضغط الخليجي القوي ضد أي نصر على الأرض لحزب الله وحليفه إيران. يبقى السؤال المصيري: هل تستطيع الشعوب العربية الضغط والمشاركة في رسم معالم شرق أوسط جديد؟

اختيار أمريكا لهذا التوقيت بالضبط لبدأ حملة دعائية دولية من أجل ضرب النظام السوري بمعية حليفها الإستراتيجي بريطانيا كانت له انتقادات عديدة سواء من الشارع الأمريكي ndash; الذي بينت استطلاعات للرأي أن 25 بالمائة فقط من يؤيدون التدخل العسكري في سوريا - وسواء من المنتظم الدولي الذي انتقد انفراد أمريكا لاتخاذ مثل هذه الخطوة ضاربة عرض الحائط تحركات هيئة الأمم المتحدة التي مازالت لجنتها على الأرض تبحث عن دلائل استخدام السلاح الكيماوي في أحداث الغوطة.

من جهة، إذا كانت دواعي التدخل في الحرب أخلاقية وإنسانية فإن الحرب الشرسة للنظام المجرم خلفت إلى الآن ما يفوق 120 ألف ضحية وأكثر من 14 عملية عسكرية استعمل فيها السلاح الكيماوي بشكل فضيع ضد الأبرياء فلماذا الانتظار 3 سنوات ومراقبة كل هذا الإجرام المنظم كل هذه المدة؟ من جهة أخرى، فاتخاذ مثل هذا الإجراء أصبح على ما يبدو ليس بالأمر السهل لتداعياته السياسية الداخلية والاقتصادية ولقوة المعارضة الشعبية على الشارع ولقوة المؤسسات السياسية الديمقراطية كمجلس الكونكرس الذي وجب على الرئيس الأمريكي المرور به لحصد إجماع سياسي ولتفادي أي مسائلة مستقبلية وأي استغلال انتخابي ضد حزبه في المستقبل.

إن ما وقع في مجلس العموم البريطاني وفشل مساعي الرئيس البريطاني quot; دايفيد كاميرونquot; لحشد تأييد هذه المؤسسة من أجل التدخل بمعية أمريكا في سوريا يعد درسا ديمقراطيا حقيقيا ويبين مدى فاعلية المؤسسات الديمقراطية الحرة في توجيه السياسات الخارجية والاستجابة لتطلعات المجتمع المدني الحر رغم أن فارق الأصوات لم يكن كبيرا. لقد خرج الشارع البريطاني ضد اجتياح العراق سنة 2003 بشكل ضخم ومع ذلك فقد استجابت القيادة البريطانية لنداء إدارة بوش الابن ضد الإرهاب وتحملت تبعات كل الأخطاء العسكرية والسياسية لأمريكا في أضخم اجتياح عسكري في المنطقة. لذلك فالشارع الشعبي والسياسي لا ينسى أخطاء الحكومات وهو ذكي ما فيه الكفاية لكي يقرأ ما تخفيه الأطماع الدولية ولكي يستشرف عواقب الأخطاء السياسية للأحزاب المنتخبة. فكل الشعوب تتعاطف مع ضحايا الإرهاب السوري ولكن تدخلات الدول الخارجية غير بريئة خصوصا إذا كانت خارج الإجماع الأممي والحرب لم تكن في يوم من الأيام حلا سياسيا ولا إنسانية، لذلك فشعوب العالم تميل أكثر إلى الحلول السلمية التي تضمن أقل الخسائر في الأرواح.

بلغة المصالح الإستراتيجية، فكل الدول الداعمة للحرب على النظام السوري سواء بدعم المعارضة بالسلاح والتموين أو بدعم التدخل العسكري المباشر، لها مصالحها في المنطقة كما للدول المعارضة لأية تدخل عسكري كروسيا والصين وإيران مصالحها التي تدافع عليها بكل الوسائل القانونية كسلاح الفيتو وغير القانونية كالتهريب السري المنظم للأسلحة إلى الميدان السوري. أما بالنسبة لأمريكا فأولى الأولويات هو حماية أنبوب النفط القادم من الخليج والذي يمر عبر الأراضي السورية ثم الوقوف ضد وصول الأسلحة الثقيلة والنوعية إلى المسلحين الجهاديين في المنطقة الشيء الذي سيشكل تهديدا لأمن اسرائيل من العمق السوري حيث هضبة الجولان المصدر المائي الاستراتيجي الوحيد لإسرائيل وأخيرا ردع تحركات طهران العميقة في المنطقة من أجل تشكيل جبهة اقليمية بعباءة طائفية وبسلاح نووي مهدد للأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي معا.

أما على مستوى الوضع في مصر المرتبط جدا بما يقع على الجهة السورية، فإن الدولة العسكرية العميقة مازالت تقاوم تبعات الانقلاب العسكري المحبك التنظيم داخليا وإقليميا ودوليا خصوصا بعد دوامة القتل والعنف المتفشيين على نطاق واسع في دولة كان فيها الربيع الديمقراطي مثيرا للجدل. داخليا، ازداد التحرك الشعبي التحرري ضد الانقلاب العسكري بشكل غير مسبوق ليس من لذن أنصار مرسي فقط ولكن من تجمعات شبابية أخرى أبرزها حركة quot; أحرار مصر quot; الشبابية رغم كل المضايقات العسكرية كحضر التجوال ودعم البلطجية واستغلال ورقة الإرهاب كذريعة لاستعمال القوة ضد هذه المظاهرات. إقليميا، خلقت القيادة العسكرية المصرية معارك جانبية أخرى وهي ليست في صالحها وأهمها افتعال تهمة تخابر الإخوان المسلمين مع حركة حماس لتصفية قيادات الجماعة ولإغلاق معبر رفح الحدودي المثير للقلق من الجانب الإسرائيلي ثم فتح جبهة سيناء مع مقاتلين مفترضين إرهابيين وهي كلها أوراق استراتيجية لشرعنة الانقلاب على العملية الديمقراطية الغير مرغوب فيها في المنطقة.

الأمر المصيري الآن في كل ما يقع أن المنطقة تتعرض لعملية تصادم سيناريوهات عديدة من أجل رسم مستقبل شرق أوسط جديد فرضته التحولات السياسية الدولية والإقليمية وتداعيات الربيع التحرري غير المتوقع. أهم هذه السيناريوهات هو الإبقاء على حلفاء أمريكا في الأنظمة العربية المؤمنة لتقدم إسرائيل الاستيطانية على الأرض ولأنابيب النفط ولو على حساب الديمقراطية وإرادات الشعوب العربية. السيناريو الثاني، هو الدفع بالمنطقة إلى تكوين جبهة طاقية ونووية قوية تنافس المصالح الغربية وتلعب على وثر توازنات القوة وتتزعم هذا التوجه كل من إيران وحليفها حزب الله بمعية روسيا والصين وهذا واضح في طريقة توغل ايران في الساحة السياسية العراقية المتوترة. أما السيناريو الأبرز فهو قوة التحرك السلمي للشارع العربي وضغطه المتواصل من أجل القطع مع الاستبداد والإرهاب وتوجيه إراداتهم السياسية.
أعتقد أن الثلاث سنوات المقبلة ستكون مصيرية في مستقبل الشرق الأوسط الجديد الذي ستكون الديمقراطية والحرية أهم أوراشه المحورية وستكون شعوب المنطقة واعية كل الوعي بخطورة الثورات المضادة وستكون مستقبل السياسية للسياسيين المبدئيين المطالبين بالشفافية والمهددين بالمسائلة وستكون المؤسسات القوية والحرة سيدة الموقف في دول الحق والقانون وستزول الصراعات الطائفية القتالية لصالح قيم المساواة والعدل والتعددية غير ذلك لا أعتقد أنه سيحصل لأن كل المؤشرات التاريخية تدل على ذلك.