الحرب "الکونية" الدائرة رحاها في بلاد الشام والعراق هذه الايام، والتي تحمل عنوان داعش، ماهي الا نتاج الحرب بالوکالة بين حملة احلام الامبراطورية العثمانية من جهة والدولة الصفوية من جهة اخرى. فاروغانيو ترکيا من العثمانيين يرون في امتداد الهلال الشيعي من تحت خاصرتهم في العراق و سوريا و وصولا الى الجنوب اللبناني بل وحتي لربما الى فلسطين غزة وکانها صحوة صفوية جاءت بعد سبات طويل منذ معرکة جالديران عام 1514 حين هزمت فيها جحافل السلطان سليم الاول جحافل الشاه اسماعيل الاول الصفوي شر هزيمة.

لکن حرب البروکسي الجالديرانية الدائرة اليوم هي ليست کحروب الامس، کون ورثة العثمانيين والصفويين باتوا اکثر ذکاءا من ذي قبل،، بعد ما تعلموه، على ما يبدو، من تجارب الحرب الباردة والعولمة. فهم باتوا لا يرون ضرورة لتحملهم بانفسهم عناء المواجهة المباشرة مع بعضهم البعض، وان يزهقوا الاموال والارواح، لطالما کان بامکانهم استخدام الاخرين لاداء المهمة لصالح الشاه وللسلطان.

فمنذ سقوط نظام صدام وايران اليوم،لاسيما بعد الانسحاب الامريکي، هي اللاعب الاکبر في العراق، وهي الامر الناهي فيه في کل صغيرة و کبيرة. وان سر هذا الحضور الايراني الطاغي في العراق ليس بخافي على احد، حيث انه نابع من تحکمه بمختلف القوى الشيعية الصغيرة منها والکبيرة. ويبدو في ان لها تاثيرايضا، ولو بوتيرة اقل، على المکون الکوردي الذي يحاول ان يکون خارج هذا التأثير. المکون السني العربي هو الوحيد الذي بقي خارج دائرة التاثيرە الايراني کونه عرض خدماته على لاعبين اخرين، ليعود لاحقا لخلط الاوراق.

دخول ايران الى بلاد الشام بدأ تحالفا مصلحيا بين القيادة الايرانية وقيادة الاسد الاب منذ ان بدأ الطلاق الابدي بين البعثين السوري والعراقي. لکن هذا التحالف بدأ يتغير الى علاقة بين تابع ومتبوع، بعد ان بدأت ايران بالتحکم بمقدرات سوريا،لاسيما مع بدأ انتفاضة الشعب السوري لاجل اسقاط نظام الاسد. فايران اليوم هي من تمنع النظام في سوريا من الانهيار، وذلك عن طريق شحنها بالمال والسلاح والحرس الثوري وحزب الله. فهي تمسك بکل الملفات الامنية والسياسية والمالية وترکت فقط الملف الدبلوماسي، بعد ان فقد رصيده، الى باسم المعلم و بشار الجعفري.

اما عن لبنان حزب الله فحدث ولا حرج. فقد قالها حسن نصرالله صراحة ومن دون اي خجل او اي تردد بانه جندي من جنود ولي الفقيه والثورة الايرانية، وبما ان الشيخ حسن هو رجل لبنان القوي فهذا يعني ان هذا البلد يقع ايضا ضمن دائرة النفوذ الايراني.

ورغم ان حماس فلسطين فکت ارتباطها بالنظام السوري والايراني بعد بدأ انتفاظة السوريين، لکن ايران لاتزال تحاول ان تقتحم الواقع الفلسطيني من خلال محاولاتها لاعادة حماس الى حظيرتها اما باغرائها او بابتزازها بالتقرب من حرکة الجهاد لعبدلله شلح.

امام کل هذه الاقتحامات و التمددات للمارد الصفوي، لم يمکن للمارد العثماني ان يقبل بذلك وان يسمح لعدو الامس الذي طرد من الباب ليعود من الشباك وان يضع يده بهذه السهولة على "طريق الحرير" ومنابع النفط في ولاياتها السابقة.&

يبدو ان عثمانيي ترکيا کانوا متورطين بشکل او باخر، ومنذ استلامهم السلطة في ترکيا، فيما هو اکبر مما يحصل الان في بلاد الشام والعراق. ان فشل مشروع التنظيم العالمي للاخوان المسلمين بالاحتفاظ بالسلطة في مصر ودول الربيع العربي الاخرى، وفشل ما کانوا يعدون له في دول النفط والمال في الخليج والجزيرة العربية، هو على ما يبدو جاء فشلا لخطة جهنمية اکبر واوسع مما يذهب اليه الخيال للاستحواذ على الصورة کاملة. وحده هذا الفشل يفسر الصعود الصاروخي لداعش في بلاد الشام والعراق، وکان هناك من لجأ اليه او لدعمه لانقاذ ما يمکن انقاذه في کسر الهلال الشيعي وايقاف المارد الصفوي بکل ما هو متاح.

ان نواة داعش هي ثلة من المحترفين البعثيين وضباط جيش العراقي السابق الذين فروا الى دول الجوار، التي بدأت بدورها بالتنسيق معهم واعدادهم وستخدامهم،( کما کانت الحال بالنسبة للقوى الشيعية العراقية قبل سقوط صدام في ايران)، لمواجهة الهلال الشيعي. و نواة داعش هم ليسوا بدورهم بالعناصر الهينة ولا يمکن الاستهانة بهم لما يتمتعون به من خبرات سابقة ولاحقة، وهم يستمدون فکرة الاستقطاب الاسلامي من الحملة الايمانية التي استحدثها صدام حسين لاستثمار الشعور والحماس الديني في حروبه العبثية. لکن الغرابة هنا تکمن في ان هٶلاء کانوا موجودون على الساحة طوال الوقت، يضربون تارة هنا و تارة هناك، لکنهم ما لبثوا، وعلى حين غرة، ليتحولو الى قوة عظمى قاهرة خارقة للحدود والتوقعات. ان مثل هذه الاحداث لا تأتي من الفراغ ولا بفعل ساحراو باحلام اليقضة. لاسيما وان هناك سابقة في التاريخ القريب الا وهي حرکة طالبان،صنيعىة المخابرات الباکستانية و وورشاتها "الاسلامية".

ترکيا اردوغان اليوم تقود وبشکل غير مباشر هجوما معاکسا عثمانيا ضد الامتداد الصفوي من خلال عدم محاربة داعش. فهي الدولة الوحيدة من بين کل دول العالم التي لم تدن بربرية داعش لغاية الان. فهي تتصل بهم و تفاوضهم وتقايضهم والاهم من کل هذا تصف من يقف بوجههم من مقاتلي ومقاتلات ypk الکورد بالارهابيين، اي ان من يقاتل داعش هو ارهابي في القاموس السياسي الاردوغاني.&

لقد اضحکت من سمع الانذارات التي وجهتها القيادات الاردوغانية الى داعش بان جيوشهم الجرارة المرابطة عئلى الجانب الاخر من ساحة العمليات في کوباني(عين العرب) ستتدخل و تتحرك ان اقترب الدواعش من ضريح عثمان!!!!! وکأن تلك القوات غير معنية لما يحصل للبشر والشجر والحجر،وکذلك لکل تلك الاضرحة التي دنست وهدمت من قبل الدواعش، في الجانب الاخر من الحدود.

ان هذه الحرب هي بالمطلق ليست بحرب شعوب ترکيا ولا شعوب ايران ولا کوردستان ولا الشعوب العربية، انها حرب القوميين الشوفينيين التوسعيين في تلك الدول ممن يحترفون فن الاستثمار في الايقاع بين الشعوب، تارة باثارة النعرات القومية وتارة باثارة النعرات المذهبية والدينية. ان شعوبنا بحاجة الى مد جسور الصداقة لبعضها البعض وان تعمل کل ما استطاعت اليه سبيلا لمکافحة روح القومية الشوفينية العنصرية والطائفية الدينية البغيضة التي لا تاتي سوى بالحروب والويلات والدمار. وکما قال محمود درويش : سنصبح شعبا عندما ننسى ما تقول لنا القبيلة.

&

[email protected]