&من المسلم به أن الشعوب قد تمر بفترات من التوتر المجتمعى لاسباب عارضة كالثورات او الانقلابات او التغيرات الاجتماعية أو الاقتصادية الحادة او الكوارث الطبيعية او عقب الحروب..الخ، قد تطول هذه الفترات أو تقصر ذلك يتوقف على مسببات الحالة وآليات التصحيح المتبعة والمكون العرقى والدينى وثقافة المجتمعات ونوعية القيادة وألإرادة الشعبية وأسباب فرعية كثيرة ومتشابكة، لكن لاتلبث ان تعود هذه الامم وتستقر وتستقيم امورها وتعود منظومة التسيير الطبيعى للحياه إلى سابق عهدها مع استيعاب الدروس المستفادة.&

&وتوترت امم كثيرة فى كل العصور و خرجت من النفق المظلم لهذه الحالة أكثر قوة مما كانت عليه ووضعت نصب أعينها أهدافا واضحة أهمها عدم العوده مطلقا لمسببات هذه الحالة، فلا يتحدث الالمان عن فترة النازى ويلاحقون بشراسة أى شبهة لمحاولة احياء الفكرة ويكره اليابانيون الحرب والايطاليون يلعنون موسولينى والفاشية والاسبان يبغضون فرانكو وتوتر الصينيون وتوترت شعوب فى اوربا وامريكا ومالبثت أن استقرت وعادت للمسار الصحيح فى نهاية المطاف، لكن أمما قد تستمرئ وتستطيل هذه الفترات لانها حالة يستباح فيها كل شيئ بلا استثناء، ويفسر كل شيئ بمرجعية الحالة الراهنة، فلا عمل ولا انتاج ولا بحث والحجج جاهزة:لا صوت يعلو فوق صوت الحالة الحاضرة التى لايعرف أحد على وجه اليقين متى وكيف تنتهى.

&وتدخل الشعوب النفق المظلم وتسير نحو نهايتها المحتومة اما تنمحى او تنقرض او تتشظى حدث للرومان وللعثمانيين وللعرب فى الاندلس وحدث للاتحاد السوفيتى وفى منطقتنا الامثلة عديدة ولازالت أحداثها تجرى على الارض، توتر المصريون خمسة عشر عاما منذ الثورة وعاشوا فى وهم النصر الحتمى القادم لامحالة والقاء الاعداء فى البحروسقطوا وكان السقوط مريعا وانتكست أمة بأكملها، وتوتر العراقيون ربع قرن من الانقلابات وتوهم صدام حسين امكانية ابتلاع جيرانه وتكوين امبراطورية وقهر أعراق وحكم بالحديد والنار وأحيانا بالغاز، وكان السقوط مدويا فبعد أهازيج النصرالحتمى للأشاوس النشامى الميامين استيقظ الناس على البيان الاول:علوجهم على مشارف المدينة، أما عن القذافى فتلك مهزلة لانعتقد أن هناك مثيل لها على مر التاريخ فهى أنموذج لايحتاج الى تحليل فقد عاش شعب لأكثر من أربعين عام وسط غابة من مكبرات الصوت على مدار الساعة تمجد الزعيم الملهم ملك ملوك أفريقيا وكتابه الاخضر ونسوا أن الشعوب بحاجة للاستقرار والسكينة وسقط القذافى مضرجا فى دمائه قتله من كان يهتفون له بالامس وهذه المرة لم يسمع الناس بيان (العلوج) لأن العلوج كانوا قد اجتاحوا المدينة فعلا.

&والامم المتوترة تتجنب إعمال العقل فى كل الافعال وكل ردود الافعال بل وتخاف من تفعيلة وتكون الغيبيات وشماعة المؤامرات هى الحاكم الاوحد حتى تستمر الحاله الى الابد،وباحتراف وتدليس يتم ممالئة العامة والدهماء فهم وقود حالة التوتر المستدامه اما المثقف المستنير الواعى فهو خطر يجب تحجيمه وارهابه بتابوهات الخيانة والعمالة والزندقة وغيرها تابوهات أخرى كثيرة جاهزة لاستعمالها عند الضرورة.

والامم التى تستمرئ حالة التوتر لن تعدم سببا لتجديد الحالة وتفعيلها كل فترة حتى لاتخبو جذوتها وتظل الجماهير جاهزة فى اى وقت للتجييش دفاعا عن الحالة الراهنة فالعدو هناك على مرمى حجر والمؤامرة على وشك الاكتمال وان لم يجدوا العدو والمؤامرة فى الخارج فلا بأس من ابتداعها من الداخل وتلك لا تحتاج لمهارة فالوطن مهدد والعقيدة مهددة والمذهب مهدد والقبيلة مهددة وهكذا دواليك،وان كان أيسرها على الاطلاق هو اسلوب وضع العقيدة فى المواجهة فهو سريع المفعول سريع النتائج ويتم توصيف الحالة: الدين فى خطر وعلى الناس أن يهبوا للدفاع عن (الله) وتتشكل الميليشيات اللازمة حزب الله وانصار الله وجند الرب وحراس العقيدة و و و ويهب الجميع يقتلون ويتقاتلون باسم الله ويرشقون بعصهم بعضا بالنصوص،وتضيع الحقائق وسط الصراخ ويقفذ على السطح أسماك نافقة لان بطونها انتفخت بغازات فاسدة وهؤلاء يحتلون الصفوف الامامية ويصلبون على الميديا على مدار الساعة يصبون الزيت على النار وتحترق أوطان وتبدا مقدمات السقوط وبفاجئ الجميع بالبيان الاول (علوجهم على مشارف المدينة ) وتهرب الجرذان الى الجحور وبعد أن تحترق الاوطان يكتشف الناس الكذبة الكبرى لكن بعد فولت الاوان.

وبينما تساهم الامم المستقرة فى اعمار الكون وتجنى ثمار استقرارها وتقدمها يلهون ويتريضون ويرتحلون فى العطلات، تساهم الامم المتوترة بالبث الحى على مدار الساعة لمشاهد الذبح والاغتصاب والاشلاء المتناثرة ونوافير الدماء وهذا هو واقع ومصير كل شعوب هذه المنطقة المنكوبة: سيستيقظون ذات صباح حزين بعد أو قرب على البيان الأول:علوجهم على مشارف المدينة.&

&