&حشرات وزواحف من أنواع متعددة تكمن نهايتها المحتومة فى لحظة انقلابها على ظهورها بعضها تستغرق نهايته سويعات وبعضها ربما أيام، وفى هذه الأثناء لا تملك تلك الكائنات البائسة إلا الصراخ وضرب الهواء بأطرافها كرد فعل هو الوحيد المتاح بعد أن أصبح مركز ثقلها مقلوبا، وبالطبع هذا الصراخ والعويل بترددات خاصة لا تسمعها إلا فصائلها، فقط فصائلها التى لا تملك لها شيئا، ويبدأ أعدائها فى التحلق حولها استعدادا لالتهامها بعد أن تلفظ أنفاسها وربما قبل ذلك، هذا هو الواقع المؤلم لشعوب هذه المنطقة المنكوبة من هذا الكوكب المنكوب بها، فكلها دون استثناء مجتمعات مقلوبة على ظهورها إختلت مراكز ثقلها من زمن بعيد وانقلبت نتيجة لعوامل كثيرة أغلبه تصنعه بنفسها وبعضها يصنعه لها أعداؤها بتسهيلات تقدمه هذه المجتمعات طائعة مختارة، ولسنا فى احتياج لوسيلة ايضاح لشرح مانقول فالصورة على الساحة بالغة الدلالة والوضوح أمة تحتضر وأعداؤها يتحلقون حولها استعدادا لالتهامها.

وعندما يختل مركز ثقل الكتلة الأم يختل معها كل مراكز الثقل المصاحبة الفكرى والثقافى والاجتماعى والسياسى والاقتصادى، ويصبح التعامل مع بقية المجتمعات الطبيعية هو وهم كبير،فقط التعامل مع المجتمعات التى على نفس الشاكلة، أى المجتمعات المقلوبة، لذا تتكلم هذه مع تلك لغة واحدة لها نفس المفردات رغم ما قد يكون بينها من فوارق ومسافات، أما الحوار مع مجتمعات طبيعية مستوية فهو حوار طرشان لا يرجى منه نتائج على الإطلاق فالافق معكوس والمنطق معكوس فالماضى مستقبل والمستقبل ماضى مع زمرة من الفقهاء والمفسرين يروجون لفقه مجتمعات مقلوبة على ظهورها مغلوبة على أمورها.

والنخب فى هذه المجتمعات ـــ وهى تدرك بالطبع ما هو وضع مجتمعاتها ـــ تنقسم إلى قسمين، الاول غالبية وهم من ساهموا بطريقة أو بأخرى فى هذا الوضع المأساوى،والثانى أقليه وهم من حذروا وأنذروا ولكن تحذيراتهم ذهبت أدراج الرياح وسط صخب الغوغاء الجهلة المتعصبين، وكلنا يذكر مفكرين ومثقفين كبار ورجال دين مستنيرين نالوا من زعماء هذه الطوائف ومريديهم نالوا صنوف من الأذى والارهاب والتصفية الجسدية عندما نبهوا مبكرا لخطورة اختزال عقيدة فى مظاهر خادعة وأفكار عفا عليها الزمن مستخرجة من كتب صفراء محنواها تحريض وقتل ودم وارهاب،وهاهم قبل غيرهم يحصدون مازرعوا وبكال لهم بنفس الكيل الذى كالوا به لغيرهم.

ورغم تعدد أسباب ما حدث فى هذه المجتمعات لكن سببين رئيسين يظلان مسؤولين عما حدث الاول هو الدين والثانى هو مزيج الدين والزيت فقد لعب الدين الدور الرئيس فى قلب مجتمعات ليس بها زيت ولعب المزيج نفس الدور فى مجتمعات الزيت (والنماذج كثيرة) ولعل دور مزيج الدين والزيت كان أخطر بمراحل من دور الدين منفردا وأيضا أخطر من دور الدين ممتزجا بعناصر أخرى كالفقر والسياسة والاقتصاد فعندما وفدت جحافل الفقراء للعمل عند أهل الزيت ساد مذهب )أهل الزيت (على بقية المذاهب، وذهب الدين الوسطى الهادئ الذى عاش وتعايش مع غيره،وساد فقه المجتمعات المقلوبة وساد دين صحراوى عنيف عاد به هؤلاء الى بلادهم وكان لنفس المزيج نفس الدور عندما قامت ثانى دولة دينية فى التاريخ الحديث بعد باكستان، وأقام (أهل البيت) دولة الفقيه فى فارس بنفس العناصر الدين والزيت، مع محفزات ثانوية أخرى وكان ما كان فى نصف القرن الماضى، فعندما اندفعت نوافير الزيت قلبت الموازين رأسا على عقب واختلت مراكز الثقل وقفزت شعوب من مرحلة الى مرحلة، من مرحلة الفقر المدقع الى مرحلة الغنى الفاحش فى سنوات قليلة دون جهد ودون المرور بمراحل تأهيل نفسى واجتماعى للحفاظ على الثروة واستثمارها (فى العقدين الاخيرين فقط بدا بعض الحكام المستنيرين على وعى بهذه المسألة وبدأوا فى تصحيح أوضاع مجتمعاتهم ) والخلاصة أنه عندما تم صب الزيت أو مدخوله بمعنى أصح على الدين نتج مركب سريع الاشتعال وبغير مدخوله الطفيلى ما كانت داعش ولا بوكو حرام، وعندما تم صب الفقر على الدين فى مصر نتج مركب أسرع اشتعالا، وهناك عناصر أخرى تم مزجها بالدين وانتجت مجتمعات من نفس الفصيلة فصيلة مجتمعات القات والقنب والخشخاش ولا يملك الانسان الا الضحك عندما يرى انسان شدقيه منتفخان بالقات ويحمل رشاش عوزى ويهتف الموت لأمريكا، ان شعوبا كاليمن وباكستان وأفغانستان هى نموذج صارخ للمجتمعات المقلوبة.

أما الكذبة الكبرى فهى مزج الاقتصاد بالدين، وهى أغرب عملية نصب فى التاريخ لأن طرفيها يعلمون تمام العلم أنها كذبة كبرى ومع ذلك الخدعة مستمرة، أما أخطر هذه العناصر على الاطلاق فهى السياسة عندما تمتزج بالدين فهو مزيج شديد السمية سريع الانتشار وسريع الزوبان تم تعبئته وتغليفه فى كبسولات وهم، وهم التغيير واستبدال دكتاتوريات صدام والقذافى وبشار بجنه هابطة من السماء،وقتل صدام وقتل القذافى وبشار فى الطريق وهبطت الجنة وشردت شعوب بأكملها فى مستعمرات الخيام، تحيط بهم كلاب مسعورة من كل الصحارى المحيطة، وأصبح الناس يترحمون على هؤلاء الدكتاتوريين على الاقل لان عوراتهم كانت مستورة داخل جدران تعلوها سقوف،هذه هى الحالة أيها السادة فى هذه البقعة المنكوبة شعوب مقلوبة على ظهورها مغلوبة على أمورها.

&

&