بينما أكتب هذه السلسلة العطرة من التاريخ العظيم والخالد حيث تنهال على الرسائل والإيميلات من أنحاء العالم ولابد من الإجابة عن بعضها العام والذى يتساءل عن دور السير ساسون حسقيل السياسى. ومن وحى السؤال كانت هاتان الحلقتان السادسة والسابعة

لابد من القول أن السيرساسون حسقيل هو سياسي من الطراز العالى وقد ظهر نشاطه السياسي في جمعية الاتحاد والترقى
وما حصل عام 1908 لم يكن عن فراغ إطلاقا، بل كان ثمرة جهود فترات متراكمة من النشاط السري والعلني اللذين قام بهما الأحرار والمثقفون سواء في داخل الدولة العثمانية أم في خارجها (والذي شجعهم على ذلك تردي الأوضاع الخارجية ، بفعل الأعتداءات الخارجية ورداءة الأوضاع الداخلية بعد تعطيل السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909) البرلمان في (13 شباط 1878) وتعليق العمل بالدستور.
نجحت جمعية الاتحاد والترقي بالتحدى في (23 تموز1908) وإجبار السلطان عبد الحميد الثاني على إصدار فرمان (أمر) بضرورة العمل بالدستور 1876 ورفع التعليق.
وأهتم الاتحاديون بفتح فروع لهم في مختلف أنحاء العراق بعد نجاحهم حيث أستقبل العراقيون مندوبي الاتحاديين بجموع الفرح والتهليل والإنتصار، وبدأت شخصيات بارزة بالإنتماء إلى هذه الأقسام وتأييدها ، فقد افتتحت الجمعية فروعاً لها في بغداد والموصل والبصرة والنجف والحلة وهنا يبرز دور ساسون حسقيل بجمعية الاتحاد والترقي في فرعها الرئيسى في بغداد.

وفي مجلس المبعوثان العثماني تحركت الحياة النيابية في الدولة العثمانية بعد إعلان الدستور العثماني عام 1876 حيث تكون مجلس الأمة من هيئتين أولاهما هيئة الأعيان والثانية هيئة المبعوثان . إلا أن انتخابات الأخير والتي جرت لأول مرة في تاريخ الدولة العثمانية لم تكن سليمة، حيث في كل ولاية من ولايات الدولة العثمانية لم ينتخب الناس نوابهم بل انتخبتهم المجالس البلدية هناك، وذلك لعدم وجود قانون الانتخابات الخاص بانتخاب أعضاء مجلس المبعوثان. أفتتح الأخير في (19 آذار 1877) لكن سرعان ما أصدر السلطان عبد الحميد الثاني أمراً في (14 شباط 1878) بحل المجلس وتعليق الدستور. كانت النتيجة هى استبداد السلطان عبد الحميد الثاني بالحكم وعودة الحكم المطلق أكثر من ثلاثين سنة قاسية مما كون جمعيات سرية داخل البلاد، وعلنية خارجها، لإظهار مساوئ الاستبداد الحميدي ومنها جمعية الاتحاد والترقي التي نجحت أخيرا في أجبار السلطان عبد الحميد الثاني على أعادة الدستور وانتخاب النواب لمجلس المبعوثان .
بدأت الانتخابات لأول مجلس للنواب في ظل الدستورعام1908 ، وكانت جمعية الاتحاد والترقي هي المشرفة على الانتخابات مما جعل النتيجة نجاح الأغلبية من مرشحيها. ومن خلال الناشطين الذين كانوا يتجولون على المنازل ويسلمون الناخبين أسماء من يريدون انتخابهم من أعضاء ومؤيدي ( جمعية الاتحاد والترقي). حيث ظهر أن الاتحاديين كانوا خائفين من منافسة الأفراد المخالفة لهم من المحافظين وأعوان السلطان والذين ضربت إلى حدّ ما مصالحهم ومنافعهم. إضافة إلى ضمان فوز مرشحي الاتحاديين في الانتخابات وهكذا كانت الإستعدادات المنظمة لإنجاح أجراء الانتخابات فى زمانها المقرر في (24 تشرين الثاني 1908) كما وضعت الشروط لاختيار أعضاء مجلس المبعوثان العثماني.
فعلاً تمت الانتخابات النيابية لمجلس المبعوثان على وفق قانون الانتخابات لأول مرة ، وحصلت ( جمعية الاتحاد والترقي) على الأكثرية النيابية في مجلس المبعوثان.
وقد مثل العرب في مجلس المبعوثان بستين نائباً عن الولايات العربية للدولة العثمانية وكان اختيارهم محددا فى دورات المجلس الثلاث على أبناء الأسر الموسرة والمثقفين، وأنتخب ساسون حسقيل نائباً عن لواء بغداد لكونه المجمع عليه من مختلف الأطراف بالكفاءة والنزاهة والإدارة والإستقامة والمعرفة. وأفتتح المجلس في (17 كانون الأول 1908) حيث تم حضور السلطان عبد الحميد الثاني بنفسه حفل الافتتاح.
جمعية الاتحاد والترقي أرادت انتخاب نائب عنها بدلاً من أحد النواب الذين توفوا، وعندها نجح المرشح الائتلافي طاهر خير الدين، مما زاد من حدة المعارضة في مجلس المبعوثان ضد الاتحاديين ففكروا بحل المجلس و فكرة تعديل المادة (35) من القانون الأساسي سبباً لحل المجلس إذ وافق السلطان على حل المجلس تحت ضغط الجمعية واصدر أمره بذلك في (18 كانون الثاني 1912) وبموافقة مجلس الأعيان قرر أجراء الانتخابات خلال ثلاثة أشهر أبتداءاً من تاريخ حل المجلس.
واحتدمت انتخابات عام 1912 بالنسبة للدولة العثمانية، فهي أول انتخابات تشهد صراعاً حزبياً منظماً بين (جمعية الاتحاد والترقي ) و(حزب الحرية والائتلاف)، وكانت نتيجة الانتخابات بفوز الاتحاديين فى أكثرية ساحقة في مجلس المبعوثان،ولم يتعد عدد المعارضين أربعةً أو خمسة مبعوثين وعندها أنتخب ساسون حسقيل نائباً عن بغداد للمرة الثانية.

هنا بدأت المؤسسة العسكرية بالتدخل أمام الإتحاديين، ونشوء جماعة (جمعية ضباط الإنقاذ) الذين اعتصموا قرب العاصمة استانبول في (11 حزيران 1912)، وطالبوا باستقالة الحكومة الاتحادية ، وحل مجلس المبعوثان، وإجراء انتخابات شريفة حرة نزيهة . فأضطرت الحكومة الاتحادية إلى الاستقالة في (9 تموز 1912) لتأخذ مكانها وزارة برئاسة أحمد مختار باشا في ( 17 تموز 1912) ، وحل مجلس المبعوثان في (5 آب 1912) . وفي (13 آب 1912) أصدرت وزارة أحمد مختار باشا بياناً تحذيرياً من تزوير الانتخابات ومنع موظفي الدولة من التدخل فيها ،وحددت كذلك شهر آب موعداً للانتخابات.

وللحديث صلة فى الحلقات القادمة