ترك الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الشيعي الاعلى في لبنان وصية مهمة للشيعة في العالم، وقد نُشِرتْ في
كتيبٍ صغير، وحسب ما اتذكر انها نًشرت اولا في جريدة النهار البيروتية، والوصية في جوهرها تؤكد على ان الشيعة يجب ان لا يعزلوا انفسهم عن بقية المسلمين باي عنوان كان، سواء عنوان الاخصية العقدية، او عنوان المظلومية، أو ماشابه، وان المطلوب منهم الاندكاك بالاجتماع الاسلامي عموما والاسلامي العربي خصوصا، وقد حذّر رحمه الله من عنواين كانت تُطرح في زمنه، مثل (حقوق الانسان الشيعي)، او (اوضاع الشيعة في العالم)،وغيرها، وكان من رايه ان مثل هذه العنواين تعزل الشيعة عن محيطهم الاسلامي والعربي، وتجعلهم في عزلة قاتلة.
هذه الافكار تتناقض بشدة مع مشروع الكيانية الشيعية الذي طرحه تجمع (شباب آلـ محمد) في شمال اوربا وتحول فيما بعد مشروع يتبناه اكثر الاحزاب الاسلامية الشيعية في العراق بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، ويتعارض مع مشروع (اعلان شيعة العراق) الذي طرحه مجموعة من اكاديميي وسياسيي الشيعة في لندن بالخصوص، وهو المشروع الذي أُثيرت حوله كثير من التساؤلات، واعد قراء ايلاف بتفصيل المعلومات فيه، خاصة عملية القرصنة التي تعرض لها المشروع.
السؤال الملح هنا، هو هل نجح مشروع الشيخ شمس الدين رحمه الله؟
الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، ان الشيعة بشكل عام ميالون إلى فكرة الوحدة الاسلامية، اي وحدة المسلمين، وقد كانوا من اوائل الذين طرحوا مشروع (التقريب بين المذاهب الاسلامية ) بجهود اعظم مرجع من مراجعهم الدينيين، آية الله البروجردي، وقد نال مباركة الازهر الشريف، وكانت هناك لقاءات على مستوى عال بين علماء شيعة وعلماء سنة في مصر، وصدرت مجلة (الاسلام) باللغة العربية ناطقة باسم المشروع، ولم يعرف شيعة العراق اي صراع بينهم وبين سنة العراق، كانت هناك معادلة واضحة بين السنة والشيعة في العراق، الحكم في مفاصله الرئيسية بيد السنة والتجارة في مفاصلها الرئيسية من حصة الشيعة، وقد عمل المفكر الكبير محمد باقر الصدر على اجتراح فكر اسلامي غير مذهبي تربَّى عليه سنة العالم من دعاة الحكومة الاسلامية، خاصة في المغرب العربي، وكان حزب الله اللبناني كهفا منيعا للشيعة والسنة ضد اسرائيل، وكانت هناك تفاهمات وتوافقات بين حزب الله من جهة والكثير من القوى الاسلامية السنية اللبنانية من جهة أخرى، وحتى إيران، فلم يعد سرا ان علاقتها بالعديد من القوى الاسلامية السنية كانت اشبه بالعضوية منها بالعادية، وفي المقابل كان كثير من السنة، علماء واحزاب ومنظمات وجامعات ضد التوجه الطائفي في فهم الاسلام، وضد النزعة الطائفية في تنظيم العلاقات الاجتماعية والسياسية بين المسلمين، حتى في باكستان كانت هناك احزاب سنية تحذر من النزعة الطائفية، بل حتى في افغانستان حيث تتمرس الكثير من قوى الاسلام السني المتشدد كانت هناك دعوات مخلصة تؤكد ان الاسلام والمسلمين يتعرضون لخطر الضعف والتفتت والتشتت فيما تحكذمت فيهم النزعات الطائفية.
ولكن ما الذي حصل فيما بعد؟
كانت هناك نزعات طائفية حقا، سواء من الشيعة او السنة، ولكنها ليست بالصورة المخيفة، وطالما يواجهها العقلاء من السنة والشيعة بالرفض والفكري والعملي، ولكن اختلاط الاوراق في الشرق الاوسط، بعد سقوط نظام صدام حسين بشكل خاص، حرف المسار باتجاه آخر...
إنّه المسار الطائفي وبزاوية مخيفة للغاية، وبالتالي، فشل مشروع الشيخ الكبير محمد مهدي شمس الدين....
فاين وصلت الامور فيما بعد؟