لا اريد هنا ان اسهب باسباب وملابسات حركة الامام موسى الصدر في لبنان، فلهذه القضية مناسبتها الخاصة، وشخصيا ممن رصد هذه الحركة منذ بداياتها الاولى، اي أوائل السبعينات، حيث كنت وما زالت من المعجبين بهذه الشخصية الكبيرة في تاريخ الشيعة المعاصر، وفي ظني من لم يقرا تراث موسى الصدر السياسي يخسر كثيرا، وقد جمعه بعض تلاميذه ومحبيه في ستة مجلدات، حقا، ومن وجهة نظري كان ثروة سياسية وفكرية.
اتهم البعثيون اللبنانيون المحسوبون على الاستاذ مييشيل عفلق السيد موسى الصدر انه يسعى لتشكيل كيان شيعي عالمي أو بعبارة ادق شرق اوسطي، وقد دونوا الاتهام بشكل صريح في احد مجالاتهم الاسبوعية ـ نسيت عنوانها للاسف الشديد ـ وتبنى بعثيو العراق ترويج التهمة ايضا، وبمساندة ودعم بعض القوى الفلسطينية التي كانت في لبنان خاصة المتمركزة في الجنوب
اللبناني!
هل كان السيد موسى الصدر يسعى لمثل هذا المشروع حقا؟
في طهران حيث كان هناك مؤتمر برعاية حزب الدعوة الاسلامية العراقي عن حركات التحرر العالمية كان الشيخ اللبناني راغب حرب في ضمن المشاركين، وفيما تبارى الخطباء في الكلام عن الحرية والتحرر والاستعمار وخاصة فيما يتعلق بفلسطين، وبلحاظ ان الشيخ راغب كان من المقاتلين اللبنانيين الاشداء وقد استشهد فيما بعد، كانت المفاجاة التي اذهلت الكثيرين في حديث جانبي للشيخ راغب حرب وكنت حاضرا بكل كياني!
كان هناك خطاب ثوري عارم لاحد رجال حزب اسلامي ثوري، وقد بالغ في الابعاد والجوانب الاسلامية العالمية لحركة السيد الصدر، فما كان من الشيخ راغب الاّ ان يوضح حقيقة اصدمت الكثيرين من الحاضرين في تلك اللحظة!
كيف؟
قال الشيخ راغب فيما معناه، ان السيد الصدر افرج الله عنه لم يفكر الاّ في نقطة واحدة، هي ان يتحول (الشيعي اللبناني) من مواطن درجة ثانية الى مواطن من درجة اولى،حاله حال اي مواطن لبناني متوفر على حقوقه الجوهرية!
حركة الشهيد موسى الصدر لم تتعد هذا الهدف في الاساس، ولكن في سياق وطني لبناني بحت، يتصل بالنهاية بكل فقراء لبنان، ومن هنا كان عنوان حركته التي اسسها (أمل حركة المحرومين)، فالرجل على سعة عميقة باوضاع العالم، ويعي ما كان يجري في الشرق الاوسط، ويعرف مدى امكاناته المادية والمعنوية، فليس من المعقول ان يسعى الى مثل هذه الاهداف رغم انها اهداف موضوعية وربما لم تغب عن باله وفكره، لكن الرجل كان مؤمنا ان إشباع البطون قبل أي قضية، ولذلك ليس غريبا ان تكون اول مشاريعه كانت اقتصادية صرفة، فقد كان يفكر بتحويل الجنوب الى مزارع عالمية بزراعة (الشاي)!
السيد موسى الصدر في منهجه التواصل مع العالم في سبيل فقراء لبنان وخاصة الشيعة، فهو على علاقة مع المملكة العربية السعودية، وعلى علاقة مع الاتحاد السوفييتي، وعلى علاقة مع الجزائر، وعلى علاقة وثيقة بجمال عبد الناصر، وكانت قضية فقراء لبنان هي الجوهر.
لم يفكر السيد موسى الصدر باي كيانية شيعية عالمية، ربما يتعاطف مع مشاكل الشيعة في العالم، ولكن ان يفكر لمثل هذا المشروع فهو مستبتعد كما اتصور، وحتى إذا كانت لديه مثل هذا المشروع فمجرد امال واماني، اما كتخطيط ودراسة وعمل فهو بعيد للغاية.
هذا التصور الذي كان يحمله السيد موسى الصدر هو الذي جلب له عدا ء بعض الحركات والشخصيات الشيعية ذات التوجه السياسي الداعي الى تحكيم شرع الاسلام في الحكم والحياة، ولذلك لم يسلم من قذع شديد من جهة حزب الدعوة الاسلامية، ومن ابرز العلماء الذين كانوا على هذا الخط في لبنان، حيث اسس جمعية الاخاء وراح يكيل التهم للسيد الصدر في حينها، كما ان مشروعه هذا استجلب عليه عداء الاقطاع السياسي والاقتصادي الشيعي في لبنان، فيما جلب الى صفه المثقفين والمحرومين حقا.
حركة المحرومين كانت حركة لبنانية شيعية،ولم تكن بداية مشروع كيانية شيعية عالمية...
وكان من الشخصيات الرائعة التي خسرتها الامة الاسلامية والشيعية بشكل خاص!
ولكن اليس تاسيس حزب الدعوة الاسلامية في العراق بداية لمشروع كيانية شيعية عالمية؟