نلجأ إلى إسقاط الجميل بالقوة بعد الذي تسقطه ظروف الطبيعة في الطبيعة، من الكائن الحي المرئي إلى غير المرئي، وبعد الإسقاط الذاتي للشيء ذاته أو للكائن الحي تتدخل إرادة الإنسان لتكمل العمل قصد بعث الحياة من جديد، طمعا في جمال أكثر حضورا وإشراقا أو تمسكا بالمتاح، فالمحافظة عليه تقتضي تغييبه لأجل معدود، إن في عملية الإسقاط تستعمل و سائل كثيرة طويلة منها وقصيرة، قاسية و لينة، السريعة بقوة الضوء و أكثر، و بأقل من الحركة المعادة، قد تسقط النظرية لأجل النتيجة مثلما تسقط الأوراق لأجل الثمرة، وقد يسقط العالي المعلّق لأجل احتواء ما يفسده على الأرض، يسقط الإنسان ميتا بجريمة في حقه ليسقط مشروعه المأمول في الحرية و الخير ويقولون بتنظيف المكان، تقطع الشجرة الممتدة في الزمن بدعوى الجذور الطويلة، يهدم البناء المعلم وهو روح و امتداد التاريخ وتتخذ حجة الأطلال و الخطر، يتعاون البشر في الإسقاط رغبة في اختصار الزمن نفس البشر الذين علّقوا مفاتيح الصبر ليستظلوا بفيء ما صنعوا ومددوا للوقت فراشا ليستريح.
نُسقط الذي يتيح الحياة و نعتبره بسيطا ونفرح لذلك دون أخذ الاعتبار للأسباب و النتائج، نمنح لأنفسنا العذر بتحقير الصغير وكوننا لم نرتكب الجرم الشنيع، نطفئ العدالة في أحكامنا حين نسقط الضمير في محكمة الروح ونغتال العقل في ساحة التغييب، ونتفق علنا دون الرضا في أعماقنا و بذلك ننزل إلى الحضيض حين ينظر الآخر إلى الآخر كأنه ينظر إلى ذاته يعلم ما فيها مستحقرا إياها، في الحقيقة إننا نحتقر ذواتنا ونسقطها في فخ الستر المقدس الذي يجعلنا بوجوه حقيقية تشي بالكثير من الأقنعة التي صرنا نصنعها لأنفسنا لا لغيرنا، سقطت أقنعتنا التي صنعناها لغيرنا وأقمنا أخرى تماثيل وأصنام جاهلية لذات أنجبت ذواتا متلونة لها داخلنا، ننصرف في سلام مطأطئين الرؤوس ناظرين إلى الأرض كأننا أنجزنا مهمة بشرف، فرحين بما قدمنا، تاركين الفراغ الذي حققناه بالإسقاط، ننسى في غمرة نصر وهمي سقطاتنا المصاحبة لأفعالنا، الذي لا يسقط بالفعل نسقطه بالقوة.
نغير الأشياء من حولنا بداعي حاجتنا إليها، نكسّر وفاق الطبيعة بإدعائنا معرفة قوانينها فنسقط ما هو منفعة لغيرنا من الكائنات فنكرّس ظلما يلحق بغير بني جلدتنا أو هذا هو تصورنا لكن الحقيقة غير ذلك، قد يطال غيرنا خطر صنعناه دون أن ندري. نحب أنفسنا بالقدر الذي نوهم فيه الغير أننا متشاركون في المحبة لأجل أن نضبط مسارات الوقاية وينتشر و يستتب الأمن في نفوسنا إنه الخوف من الفوضى التي تصنع الخراب والموت الذي يلزمنا بعقد نحترم فيه أنفسنا إن فشلنا في حب بعضنا البعض كبشر.
يسقط وعينا في الوصول إلى الفهم دون الإضافة ويسقط في الشعور حين نفهم أي نوع من الحب ونركّب له قوالب التصنيف و التنميط دون الإحساس به، ننصرف تاركين للفراغ الذي أنتجته حماقتنا مهمازه، متعلقين به، راضين بتجسيده واقعا بعدما كان خيالا ممتعا مريحا، نمارس الإسقاط في أذهاننا غصبا ونحققه واقعا متعة للذات و ألما نجهله لذات أخرى لا نعرفها وبذلك نجهل قدر الألم الذي صنعناه.
نسقط الجمال من الخارج حين نسقطه في ذواتنا ونلغي شراكة الآخر في تحقيق الأثر، الإنسان في جنته قبل نزوله الأرض رأى الجمال بعين شريكه فكانت غواية فتحت تاريخا من الحياة، في الغواية ندم ورجوع وميلاد الحياة و الجمال و التعدد و امتداد المقاومة.
نسقط ما نعتقده منتهي بأصوات مرتفعة كأننا نحتفل داخل مسار اللحظة متناسين السكوت الرهيب الذي يقدم مع العاصفة التي لا تختار ضحاياها بين مجرم و بريء، يرتفع الصراخ دون جدوى والصمت حينها جواب الدهشة بغير نفع كذلك ولو كان لغة دون الاحتجاج.
نمارس الإسقاط استعدادا للجديد ومنعا للتراكم الضار، نسارع في نزع التفاصيل وترك الشكل، نغلق الفتحات ونتقوقع فيما نعتقد أنه الأم؛ حماية لنا مما نخافه، لا نسمع صوت العقل القادم من الماضي على لسان الأذكياء.
نسقط الأصوات مع العزائم لا سيادة للحرية و الديمقراطية، يسقط المالك و المليك ولا يعرف اتجاه الورق المتساقط الذي سيجمع في صناديق، أشياء كثيرة ولدت صغيرة لكنها مشت بخطى وئيدة نحو العظمة و الخلود، قليلنا يحيا خارج أسوارها وجل أهلنا نراقبهم في الداخل يزرعون البلاء في مفاصلها خرابا، إننا عاجزون عن الفعل، لا نحسنه لأننا لسنا صناعة أنفسنا، متنازلون عن سلطة الذات والاختيار، معدومون من الثقة، منصرفون راضون بمن له قدرة على تحويل ما نفعنا الله به إلى قصور أوقات منفعته.
ها نحن نجزم بسقوط قدرتنا على التمييز حين سكنت حركة رؤوسنا وعجزنا عن مقارنة إرادتنا بما يتحرك من حولنا وعَجْزُنَا ماض في تاريخ ممتد إلى مثل غراب، إن الحشرات لتقطع الأميال الطويلة. نُسقط ما بنيناه في السر ونحمل في الجهر أقنعة، تفقد الوجوه الرصانة في أماكن الطمع حين تكثر المكائد، تهيج وقاحتنا كل ينتظر قطعة كعك و الدم بارد لا يهمنا ما يعرض.
نفتخر بسيادتنا لأنفسنا كما تفتخر السلطة بذلك نتكلم بأفواه مفتوحة كما الصراخ ونسمي الديمقراطية عروسا في الجمهورية ونقول هي في متناول الشعب وقبضة حديد لأفراد تكرّس إرادة الارستقراطية.
إننا المرؤوسون ولا نملك أدنى معنى على أن نكون ملوكا بأصواتنا لأنها تمثل إرادة حين نريد، لسنا سادة يا سادة و القوانين تسقط أمام أعيننا فلا صوت و لا مصوّت، نسقط معرفة مشروع من نصوّت له، إنه البلاء حين ينتشر في أوراق يصبغ عليها المتسلقون لون ذواتهم و أنانيّتهم، علام الأسف وكثير من المعارضين صاروا أمراء و ملوكا بوسائل منحت لهم لخدمة الشعب.
غرباء نحن وأجانب عن وطننا حين نشرك غيرنا في مجلس الحقيقة لنذكر مصطلحات العدل والعدالة وما يجب أن يقال في مجالس التشريع و التنفيذ نعاقب بالإقصاء، يسقطون عنا حق الإرادة والسيادة باغتصاب الرأي و الاختلاف. يقدمون لنا مبررات جهل الشعب ليتكلم قسط منه بما يريد ونسينا أن خراب الحضارات جماعة داخل الأسوار تريد السير نحو العظمة، فتبتلى بمحن الدهر لأنها لا تريد للشعب أن يصنع صنيعه من خلالها، تسقط صنيعه لتبني صنيعها النفعي الأناني فتسير إلى الخراب.
سيقولون أن الشعب يصنع العجب إن أراد و أختار وسيفعل إن أقسم وسيفوّض من يحبه أن يكون، سيسقطون عقله حين يوهمونه بأنه سيفعل أشياء كثيرة وأنه لا يجهل الواقع مدرك لكل شيء، سيقولون عنه عظيم وله قدرة تزعزع الجبال إن أراد و وجد القائد، يسقطوننا حين ننتقد ونقف أمام قاضي لا ينظر إلينا بنفس النظرة التي يرى بها وجوه أبناء الأغنياء و الأثرياء، إنه ينظر حينها إلى أبنية مرتفعة وسيارات ومراتب يريد وصولها، وكثير من الشعب المسكين لا يزال لم يطّلع على أمور لا تحصل إلا في القصور، كلا إنه لا يعرف الانتفاع إنه لا يعرف بأن الفرص غير متاحة له و لا لأبنائه إنه يتيه في موقعه. لا نشك فيما الشعب قادر على فعله إننا نسأل التاريخ حين نطل على ما قام به من عهد اليونان إلى يومنا هذا في أماكن كثيرة من العالم، لكن نحن لسنا مصادفة فلما نعزي بعضنا بعضا.
يسقطون الأخيار فينا باسم عوام و فقراء، اللبرالية حيلة كبيرة حين تستخدم بغير وجه حق، من يأخذ المناصب التي لا حق لنا فيها؟ لا يوجد فينا منتخب، نحن لا نصلح لاختيار الحكام لأننا لا نحسن تقدير إرادة الآخرين منا ونحط من قدرتهم على الإدارة إننا نفقد إمكانية تقييم أنفسنا ولذلك لا تسير الأمور كما يجب وتكون في سكون أو في حركة غير منتظمة، وقد يتحول إلى سرعة مفرطة بدون سيطرة وحينها كل شيء محتمل، وقد يقلب الشعب على نفسه ما بنته شعوب قبله من حقب.
يسقطوننا بالتصنيفات الاجتماعية و التاريخية حتى نخضع لراهن التصويت عليهم دوما، الطبقية هي التي تلغي العدالة في تخلفنا، طبقية أصبغت بمساحيق لتخفي تاريخها المخزي تقدس قليلي العدد في الأول لأنهم فاحشي الثراء وبعدهم الأيسر فالأيسر، حين يكثر العدد يصيرون إلى الدنو أقرب، المال سياسة رابحة و تجارة لا تبور. لقد جاء عصر الواسطة فيه من ترشح الأكثر ثروة والغني يقوم بتوزيع المال لشراء الأصوات، من يفضل الأشخاص أصحاب الثراء الفاحش غير المنتخب عليهم بالأمس؛ يريدون صنع وظيفة للجمهور في الصوت دون القرار، ويعلنون أن تلك هي روح الديمقراطية، لم نعد نجد أملا معقولا نعوّل عليه لخدمة الوطن.
من أستطاع تقديم أوراقه كرجل ليشارك في الحكم حركته المجالس إلى الهامش، في غياب أهلية الثراء و الولاء المطلق بتنازلات مطلقة يكون الإكراه على الانسحاب وتتراجع الأسماء المؤهلة الفاقدة للثراء أو غطاء الثراء. يا لحماقتنا إن القوانين التي تصنع سرا ويصوت عليها الجميع في الكواليس تكون دوما سببا في سقوط الدول والحكومات. إن الديمقراطية هي الجهر ووسائل الإعلام تكثر كما الفطر، والتصويت يجب أن يكون معروفا أشخاصه، قد يرتكب المفوّض فعل الرعاع الضالين ويغيب النور عن عينيه في بريق المال.
الأشراف كثيرهم ساسة والأثرياء كذلك ولو في الواجهة أو من وراء حجاب، يكيدون كيد البقاء و الثراء بخطر، يعلمون أن الشعب الذي يسير بعاطفة ويهيج لا نصيب له في التمثيل فعلى من يصنع الأمر أن لا يغفل أن الدولة التي تخلو من مكائد ومحن محكوم عليها بالفشل، الشعب الذي يشترى بقليل المال والامتيازات دمه فاتر لأنه لا يعمل وفق مبدأ المواطنة، إنه لا يبالي بالحكومة و لا يعرف برنامجها و لا أسماء طاقمها، إنه ينتظر الراتب في آخر الشهر ليقضي حاجاته وبهدوء كبير يجيبك متى تجرى الانتخابات المقبلة؟ ليس غريبا أن لا تجرّب القوانين صالحة كانت أم غير ذلك وتطبق على الشعب، أين الخلل؟ لا تزال عملية الإسقاط محكمة.

خالد ساحلي كاتب وروائي جزائري