أنتِ كائنٌ ماكر، قرينة الأفعى و شبيهة الشيطان، مكرُكِ من مكره. أنتِ مصيبة تمشي على قدمين، كيدُكِ فتنةٌ للرجل تخدعُه. لذا لابد لكِ من لجامٍ و قيدٍ و سوط. هذه هي الصورة التي يَصِمُكِ الذكرُ بها. الذكرُ يرى المرأة موضع شبهة، موضع تساؤل و شك، تقترن صورتُها بالمكيدة و المكر و تشكل تهديداً دائماً و موضوعاً للسيطرة. العقلية الذكورية تسيطر على المرأة من خلال إعادة تشكيل صورة الأنثى في عملية غسيل دماغ شاملة.
يستمد تصور (المرأة الماكرة) ملامحَه من الحكايات الشعبية و المتداول الشفاهي الموروث الذي يستولي على العقل الجمعي المعاصر. في الحاضر، يستحوذ هذا المفهوم على جزء أساسي من التصور الذكوري للمرأة، يكاد أن يُعتَبر بديهياً غير محتاجٍ الى إثبات، غير أن الموروث الشعبي لا يدل على الواقع بقدر ما يدل على العقلية و الخيال اللذين أنتجاه. في هذا السياق تستشهد العقلية الذكورية بالنص الديني و تفسره تفسيراً متحيزاً. أول ما يرد في لائحة إتهام المرأة (إن كيدكن عظيم) (سورة يوسف، آية 28)، لكن قليلاً ما يُلتفت الى أن المتحدث هنا هو الرجل في سياق القصة و ليس الله، لا يوجد دليل في النص على تبني القرآن للفكرة.
في المقابل، يعج التاريخ العربي و الاسلامي بمن عُرف بالمكر و الحيلة من الرجال في مختلف العصور ما لا يكاد يُحصر عدداً، بينما اللواتي عرفن في تاريخنا القديم و المعاصر بالمكر من النساء معدودات. وقائع التاريخ هي التي تدل على الواقع و تفسره، و ليس الموروث الشعبي الذي هو كلامٌ مُرسَل من نتاج عقلية المجتمع الذكورية.
نعم، قد تلجأ المرأة الى الحيلة، غالباً في مواجهة قمع الرجل. لكن هذا ليس حكراً عليها، الرجل أيضاً يلجأ إلى الحيلة سواء على المرأة أو في مواجهة قمع ذكوري آخر (مثال: الاب، السلطة). إذاً الكيد ليس محصوراً في جنس معين دون الآخر. كما أنه لا يوجد طمع نساء و طمع رجال، بخل نساء و بخل رجال، فكذلك لا وجود لكيد نساء و كيد رجال، هنالك كيد فقط. لكنها العقلية الذكورية تسلط الأضواء على المرأة و تتغافل عن الرجل. و إمعاناً في التضليل، يسمي التراثُ عادةً الرجل الذي يمارس المكر داهيةً، و الدهاء في اللغة: النُكْرُ (= الدهاء و الفطنة(، و جودة الرأي، و الأدب. في حين أن نفس الفعل إذا بدر من المرأة يُسمى كيداً، و الكيد في اللغة: المكرُ و الخبث. (القاموس المحيط)
المسافةُ بين المَعنَييْن بعيدة، الرجلُ ذكي، المرأة محتالة.
المقصود من إلصاق صفة الكيد بالنساء هو وصم المرأة و تصويرها على أنها كائن يجب أن يُحذَر منه، أن يُخاف منه، أن يُعزَل في مقدمة لقمعه لئلا يمارس مكره بحرية. كيد النساء حيلة من حيل العقلية الذكورية لشيطنة المرأة، و المفارقة أن النساء أنفسهن يساهمن في الترويج لمفهوم كيد النساء، فإن العقلية الذكورية ليست حكراً على الرجل، فكم من امرأة تعرضت لغسيل دماغ ذكوري، تربي أولادها على القيم الذكورية و تساهم في ترسيخها. من ناحية أخرى، رجل العقلية
الذكورية لديه خوف عميق من تحقيق المرأة لذاتها، من منافستها له، الامر الذي يشكل دافعاً إضافياً لتصفيتها معنوياً.
من هنا، (كيد النساء) مفهوم بحاجة إلى مراجعة عميقة، إذا شئنا تفكيك الخطاب الذكوري و تبني نظرة أقل تحيزاً. الكيد الحقيقي هو في جعل المجني عليها تبدو جانية.
* شاعر عراقي.
Azadiskander.net