&تُعرف العدالة الإنتقالية بأنها (مجموعة التدابيرالقضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات. وليست العدالة الانتقالية نوعًا "خاصًّا" من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع و/أو قمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية)(1)

&لقد عانى العراق ما لم تعانيه دولة أخرى في المنطقة وذلك بسبب جملة عوامل أهمها ثقافة القمع والغاء الآخر وتهميشه عبر أساليب العنف التي عُرفت بها الأنظمة العراقية المتعاقبة وقد اشتد وضوح هذه الثقافة المقيتة للأنظمة الحاكمة بخاصة بعد انقلاب 14 تموز 1958 الذي قاده الضابط عبدالكريم قاسم مع مجموعة من الضباط وامتاز هذا الإنقلاب بدمويته منذ يومه الأول ولجملة عوامل منها ان القائمين بالانقلاب كانوا ضباطاً عسكريين على درجة دنيا بمقومات المدنية والعصرية، إضافة الى عامل العنف الذي يمتاز به العراق كحالة اجتماعية وسياسية ودينية متأصلة في مجتمع أثني يتكون من تلاوين عرقية ودينية ومذهبية مختلفة لم تنجح العقائد الدينية ولا البرامج السياسية ولا مناهج وأساليب الأنظمة الحاكمة لخلق مجتمع يسوده التسامح وتسوده روح قبول الآخر والتعايش والإندماج والسلم الأهلي، ودون أدنى شك فإن فترة العشر سنوات التي تلت سقوط النظام الديكتاتوري لصدام حسين وحزبه قد أزاح الغطاء عن تلك التركة الثقيلة والخطيرة والمخيفة من المشاكل والخلافات التي أدت الى حروب طائفية داخلية بين مذهبي الإسلام (الشيعي والسني) من جهة، والخلاف الشديد الذي وصل اكثر من مرة الى حد الانفجار واقصد بذلك بين الزعامات العربية والزعامات الكردية ومعروف سلفاً ان للقضية الكردية في العراق جذور تاريخية ومحطات خطيرة، وصلت في الآونة الأخيرة بعد سقوط الموصل الى اخطر مراحلها بعد تصاعد نبرة الاتهامات بين بغداد وأربيل اثر الانهيارات العسكرية أمام تنظيم داعش الارهابي ومن ثم تعرض المكونات الأخرى الى حملات قمع وتهجير واغتصاب ومصادرة اموال واراضي واخص بالذكر ما تعرض له المكون الإيزيدي في سنجار وقبله المكون الشيعي في تلعفروالموصل ومن ثم المكون المسيحي في سهل نينوى، وما سبق ذلك كله من اقتتال واحتراب طائفي كما ذكرنا آنفاً.

&ان الحكومة القادمة التي كُلِفَ بتشكيلها السيد حيدر العبادي يجب أن تكون حكومة شراكة حقيقية بين مختلف مكونات المجتمع العراقي وكذلك المكونات السياسية وتكون لها برامج عمل حقيقية أولها هو تبني العدالة الإنتقالية ووضع خارطة طريق لترميم ما خربته السياسات الخاطئة التي ساهمت فيها جميع الاطراف السياسية وبخاصة في مجالي تطبيق القانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فعن طريق تبني برنامج حقيقي للعدالة الانتقالية لتعويض كل الضحايا واعادة الاعتبار لهم، ومن ثم العمل على الترويج لثقافة الإندماج كمشروع وطني تسخر له الإمكانيات المالية والاعلامية والثقافية والمدنية والذي من شأنه أن يساهم وبفعالية في بث روح التسامح وقبول الآخر بين مكونات المجتمع العراقي وملاحقة المجرمين والمفسدين وتقديمهم للقضاء من اؤلئك الذين ساهموا بشكل أو بآخر في كل هذه الويلات والمصائب التي يعانيها الانسان العراقي.

&دون أدنى شك ان المشروع الأهم الذي يجب ان تتخذه الحكومة خارطة طريق لبناء دولة عصرية مدنية قادرة على تجاوز كل هذه الجراحات هو الشروع في عملية إصلاح شاملة في كل مفاصل الدولة العراقية الهشة والمريضة حالياً، فالعراق بحاجة الآن الى مدير عام مهني قادر على البناء والترميم وليس الى زعيم أوحد يفكر بطريقة الآلهة القديمة العقيمة، فهذا البلد لكي تقوم له قائمة ويشعر الإنسان فيه بأنه إنسان ذو قيمة بل يشعر فيه انه القيمة العليا يجب ان يكون هناك مشروع فوري للإقدام على اصلاحات ديمقراطية، سياسية، اجتماعية، دينية، ثقافية، تربوية، وادارية عبر آليات تتمتع بالشفافية والوضوح، ولا انسى هنا ضرورة اقدام الحكومة القادمة على اعادة ترميم علاقات العراق بمحيطه الإقليمي والدولي وكسر حاجز العزلة.

دون ذلك سيتبعثر العراق وينشطر... فهل سيكون رئيس الحكومة المرتقبة مديراً عاماً ناجحاً يسعى للبناء والترميم؟! هذا متروك للأيام.

رئيس تحرير صحيفة الأهالي الليبرالية&

1- من موسوعة الويكيبيديا الألكترونية