لا شك في أن أمام الدكتور العبادي مهمات كبرى وكثيرة وشديدة التعقيد والتشابك. فما خلفه المالكي& ليس سهلا تصحيحه& في فترة زمنية قصيرة، وهذا مهما حسنت النوايا ومهما كان مستوى الكفاءات والجدية. وتزداد الصعوبة هنا& لسبب إضافي مهم& جدا، وهو كونه من حزب الدعوة الإسلامي وهو غير بعيد عن المالكي وحاشيته وضغوطهم المحتملة جدا لتسليمه، برغم كل أخطائه الكارثية، منصبا سياديا كبيرا وملفات& حساسة.
إن السيد المالكي لم يجر ترحيله بمؤامرة متعددة الأطراف كما يكتب البعض، وإنما& خسر بسبب ما اختار منذ ولايته الأولى من سياسات إقصاء وتوتير العلاقات وخلق الأزمات، ومن طائفية واعتداءات متكررة على حرية التعبير والتظاهر والاعتصام السلمي، وما جرى في ولايتيه من سلسلة أعمال اعتصاب في السجون والمعتقلات، وما تعرض له الكثيرون من السنة للاعتقالات الاعتباطية لمجرد هويتهم المذهبية. وفي عهديه، ازداد التدخل الإيراني في شؤون العراق، وانحاز المالكي لبشار الأسد، فحارب معه بالمليشيات والسلاح والمال والنفط، ووضع تحت تصرف إيران المجال الجوي العراقي لمساعدة الأسد. وقد رفض المالكي- وخلافا للدستور- وضع نظام داخلي لعمل مجلس الوزراء، وعارض&& تعيين وزراء لمناصب أمنية حساسة واحتكرها لنفسه، وتسلط على مختلف المؤسسات المفترض دستوريا أنها مستقلة. وكانت كارثة الكوارث تسليم الموصل، مما مكن وحوش داعش من الحيازة على كميات هائلة من السلاح الحديث ومن أموال الدولة، ومن ثم اكتساح ما لا يقل عن ثلث مساحة العراق.
أجل، قبل الحديث، الرائج اليوم، عن المؤامرات، وفي كل يوم حكاية جديدة، فإن الواجب هو الاعتراف بأن سياسات وإجراءات المالكي كانت هي السبب& الحقيقي لترحيله. ولكن فريقا من الساسة والمثقفين العراقيين، شأنهم شأن ما يجري في دول عربية أخرى، هم ضحايا هوس البحث عن المؤامرة والتآمر عند كل منعطف. وكان الأسد قد أدان ما اعتبره مؤامرة ضد نظامه عندما نشب الحراك الشعبي السلمي. وفعل القذافي الشيء نفسه. وهوس المؤامرة من الأمراض الخطيرة في العقلية السياسية وفي الثقافة& العربيتين والإسلاميتين. ولنذكر مثلا انه، عندما وقعت أعاصير تسونامي عام 2006، فإن محترفي نظرية المؤامرة سرعان ما نسبوها لتجارب نووية أميركية وهندية. بل& إن تفجيرات 11 سبتمبر لعام 2001 نسبها معلقون ومحللون عرب ومسلمون لمؤامرة من السي. آي . إيه. ومنهم من أقحم الصهيونية برغم أن بن لادن كان يعلن يوميا تباهيه بما دعاهما& بغزوتي نيويورك وواشنطن.
والآن، فهل بمقدور الدكتور العبادي- الذي نرجو له النجاح- أن ينأى بنفسه عن فريق المالكي وعن الكتلة والطائفة، فيتصرف كرئيس لمجلس وزراء لجميع العراقيين؟؟ هذا هو المرجو والمأمول. وهل بمقدوره ترميم العلاقات مع أهالي المناطق الغربية وتلبية& ما هو حق من مطالبهم، وأيضا،تحسين الأجواء مع الدول العربية؟ وهل يدرك أن بقاء المليشيات المسلحة خرق للدستور وإضعاف للأمن، وان الواجب تسريحها ومحاسبة من اقترفوا جرائم من قادتها وأعضائها، وسحبها من الميدان السوري. فمحاربة داعش، وهي المهمة الوطنية الكبرى اليوم، تستلزم أيضا، وعدا تطهير الجيش والقوات الأمنية، تسريح الميليشيات الطائفية، التي تقترف هي الأخرى جرائم وحشية، مع اختلاف في درجة الوحشية بينها وبين داعش..
الدكتور العبادي غير قادر لوحده على النهوض بالمهمات الحطيرة التي تطرح نفسهاعليه في اللحظات الراهنة، وإنما الواجب تظافر جهود جميع القوى الوطنية الواعية، والتحلي بالمرونة السياسية وبالتنازلات المتبادلة، والابتعاد عن منطق الثأر والانتقام والتشفي والتأليب- ولكن دون التساهل في كل& كل ما يمس سيادة القانون.
الدول العربية، من جانبها، مدعوة لاتخاذ مبادرات إيجابية وانفتاحية سريعة باتجاه التغيرات الجديدة في العراق، والتخلي عن السلبية والتجاهل، وهو ما ساعد خلال السنوات الماضية على زيادة واستفحال النفوذ الإيراني.
لو استطاعت حكومة الدكتور العبادي أن تخطو ولو خطوات أولى ناجحة في الطريق، فإن الأبواب سوف تنفتح للمضي فدما نحو معالجة كل العلل والمشاكل تدريجيا، سواء في عهده أو من سيليه لإكمال المسار.
إننا نرجو كل النجاح للسادة رئيس الجمهورية ورئيس& رئيس البرلمان ورئيس& مجلس الوزراء . وعلى تماسكهم وتضامنهم وتصرفهم كعراقيين أولا سوف يعتمد الكثير.
&