العبادي خلال عام عباديان؛ أحدهما ابن وثيقة الاتفاق السياسي، أتت به صفقة خصوم سلفه نوري المالكي على أنقاض سقوط الموصل. والاخر تحرك نحو حزم الاصلاحات على إيقاع التظاهرات ودعوات المرجعية. الأولى تضغط لتقديمه شريكاً ايجابياً وملتزماً مع الحلفاء، والأخرى كـ "مخوّل" يُقدم على خطوات ترضي الشعب.

الفشل عنوان الحالتين, جمع بينها ضعف في النظر الى الافق وعجز عن الاستفادة من الفرص. سقوف زمنية في وثيقة الاتفاق، تبين أنها غير واقعية، ما جعل الكثير من الالتزامات في مهب أزمة، ووعود مرتجلة عمقت من غياب الثقة. وحتى الان يبدو أن نصيب العباديين عداء حلفائه وعداء المتظاهرين.

تراجع زخم التظاهرات، لكن "الحُزم" ما تزال تشغل تصريحات رئيس الحكومة، أخذته بعيداً نحو سلّم الرواتب، وهو إجراء صحيح نظريا لما فيه من ردم للهوة بين الموظفين، لكنه عملياً يفتقر للمنهجية والتدرج، وبذلك صنع مأزقاً داخل المنطقة الخضراء. وفي الوقت نفسه، يلوّح الحلفاء هذه المرة بسحب الثقة عنه، وتحديدا المجلس الاعلى والحزب الديمقراطي الكردستاني، لأنهما يخشيان ان يتجه بعيداً نحو منطقة لا ترضيهما. رغم أن الطرف الوحيد الذي يحق له أن يغضب منه هي تحالف القوى، لأنه لم ينفذ جزءا كبيرا مما التزم به تجاهها. لهذا ان العباديين يعانيان، تنفيذ الالتزامات بحاجة الى خطوات عديدة، يبدو أن رئيس الحكومة لم يدرسها بشكل كاف قبل ان يمضي.

الوضع الأكثر صعوبة في هذا الصدد، ان بين العباديين تناقضا كبيرا، لا يمكن أن يتعايشا، لابد لأحدهما من اسقاط الآخر. فهو في الوثيقة يعتمد المحاصصة والتوازن، وهو في الاصلاحات يواجه اسباب الفساد وأهمها، بعد خراب السلطة القضائية، المحاصصة التي ساعدت على النهب، فهي الأولى بالاصلاح. خصوصا وان التظاهرات المدنية تتعارض بشكل مبدئي غير قابل للتأويل مع تقسيم البلاد والدولة والعملية السياسية على اساس مذهبي وقومي.

الالتزامات المعقودة تصنع الفرق في الحالتين. في نسخة آب 2014 ذو التزام سياسي تجاه الكرد والسنة وحلفائه الشيعة، بينما في آب 2015 ذهب بعيدا عن اتفاقاته السياسية ووجه ضربة لنواب رئيس الجمهورية وعمد الى الاجراءات ذات الصلة بالفساد وتقليص النفقات. الالتزام الاول يكرس هدر المال، بينما الثاني يتناقض مع الاول. الامر بمثابة انقلاب في الاولويات، من السياسة الى الاقتصاد، ليطبق بدلاً من وثيقة الاتفاق تصوراته الخاصة عن مواجهة الازمة المالية. وهذه التصورات لا تتلاءم مع المحاصصة والتوازن، بل توجه ضربة لشركائه الذين جاؤوا به ليقصموا ظهر سلفه.

العبادي أطاح بمنصب المالكي طبعا، وبهذا أراح معارضي الأخير، لكنه قام بذلك وبالخطوات الأخرى دون الرجوع لهم، ما أثار المخاوف مجددا من رئيس وزراء لا يخضع لمقاساتهم. الحكيم وبرزاني، ليسا معنيين كثيرا بوثيقة الاتفاق، بل يعنيهما رئيس حكومة تحت السيطرة. لكن الرئيس هذه المرة لا يمتلك الكثير. لا يستطيع ان يقدم نفسه كشريك يمنهج سياسته وفق استحقاقات الشركاء، ولا كزعيم قادر على القيام بخطوات شجاعة تستخدم التظاهرات للحد من نفوذ مراكز القوى.

التعقيد الراهن يستدعي رجل دولة.

&