تعرف السياسة بأنها فن الممكن، والدول ذات السياسة الحكيمة تؤسس سياستها الخارجية على مبدأ كسب الأصدقاء وزيادة عددهم، وتقليل عدد الأعداء قدر الممكن، وتحييد غير المتعاطفين إذا أمكن ذلك. ومن المؤسف حقا أننا لا نلمس مثل هذه الحكمة في السياسة الخارجية لإيران في علاقتها بالدول العربية.

زخر الأسبوع الماضي، كما هي الحال كل بضع سنين أو بضعة أشهر، بالتصريحات النارية الإيرانية المستفزة للدول العربية والتي تحاول إستعادة الأحلام الإمبراطورية القديمة. حيث أدلى "علي يونسي" مستشار الرئيس الإيراني "الشيخ حسن روحاني" بتصريحات خلال منتدى "الهوية الإيرانية" المنعقد بطهران الأسبوع الماضي، حيث قال: "إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما الماضي"، وذلك في إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي إحتلت العراق وجعلت من المدائن عاصمة لها. وأضاف قائلا: "إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما نقاتل معا أو نتحد معا"، وهو بذلك يشير إلى التواجد العسكري المكثف في العراق خلال الفترة الحالية.

هذه التصريحات الإستفزازية لا تستقيم مع مبدأ حسن الجوار، ولا التعاون الإقليمي بين الدول التي تدعي إيران أنها تسعى لتحقيقه. كما أنها قد تقوض - ما يقال عن – محاولة من قبل سلطنة عمان لفتح قنوات التباحث مع إيران من أجل إيجاد حل سلمي للإنقسام الحاصل في اليمن وبعض الدول العربية، المتهمة إيران بالتدخل في شؤونها. كما أن هذه التصريحات قد تقوض الجهود التي يبذلها حاليا "علي لاريجاني"، رئيس مجلس الشورى الإيراني، الذي قام مؤخرا بزيارة كل من الكويت وقطر بهدف الدعوة إلى الحوار مع دول الخليج لحل الأزمات الداخلية في الدول العربية التي إنغمست إيران في مشاكلها الداخلية عبر دعمها فرقاء ضد آخرين.

يبدو أن بعض القادة السياسيين في إيران يناقضون أنفسهم، فهم من جهة يطالبون ويلحون منذ فترة طويلة بأن تكون منطقة الخليج العربي خالية من القواعد الأجنبية، ومن جهة أخرى يدلون – من وقت لآخر - بتصريحات عدائية وإستفزازية تثير شكوك ومخاوف دول المنطقة، وقد تضطرهم إلى اللجوء لوسائل دفاعية إحترازية ولو بإستدعاء قوات حليفة أجنبية، أو تشكيل أحلاف عسكرية مع بعض دول الجوار.

نحن مع الرأي العربي الذي يدعو إلى وجوب خلق علاقات جيدة وقوية مع إيران كونها دولة إسلامية وجارة لصيقة لنا لا يمكننا الهروب منها، لكن على إيران في الجانب الآخر أن تبدي تجاوبا إيجابيا مع هذا التوجه الذي يسعى إلى خلق أجواء تساعد على الإستقرار والتعاون في هذه المنطقة الحساسة من العالم. كما نحن نسعى إلى دحض النظرية التي تروج لها إسرائيل بالقول: "أن إيران هي العدو الأول للعرب وليس إسرائيل". وبالرغم من أن هذه النظرية تثير سخط ورعب الإيرانيين، ويتذمرن من إسقاطاتها وآثارها المعنوية عليهم، إلا أن لديهم - للأسف الشديد – أشخاص قريبون من قمة الهرم السياسي يؤكدونها من وقت إلى آخر عبر تصريحاتهم العدائية ولغة التهديد والوعيد غير المجدية.

هذه التصريحات والتدخلات في شؤون البلدان العربية تقود إلى إثارة الفتن والإضطرابات في وقت تعاني فيه المنطقة من حروب أهلية وأزمات سياسية حادة، تتطلب جهودا مشتركة من الجميع لحلها حماية لمصالح الشعوب. ما الفائدة من التملص والشجب الرسميين لاحقا لهذه التصريحات العدوانية غير المسؤولة، بعد أن تكون قد فعلت فعلها غير المحمود والمقبول في العقول والنفوس، والأولى أن لا تسمح السلطات الرسمية العليا الإيرانية وأصحاب القرار في قمة الهرم السياسي الإيراني بمثل هذه التصريحات من الأصل لتوفر على نفسها وعلى المنطقة برمتها العواقب الوخيمة غير الحميدة.

هذا النقد البناء لبعض التوجهات في سياسة إيران الخارجية تجاه العالم العربي، الهدف منه محاولة بناء علاقات سياسية قائمة على مبادئ حسن الجوار وإحترام سيادة وإستقلال البلدان والمصالح المشتركة حسب الأعراف والقوانين الدولية، بعيدا عن عقلية الإستعلاء والهيمنة والأحلام الإمبراطورية التي عفا عليها الزمن وتجاوزها.&

&