لو ألقينا نظرة شاملة وفاحصة على نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، التي جرت في بريطانيا منذ عدة أيام، والتي فاز بها حزب المحافظين الحاكم بأغلبية بسيطة، بحيث تمكنه من تشكيل الحكومة لوحده هذه المرة.

ولكن الفائز الحقيقي في هذه الإنتخابات، برأي هو الحزب القومي الإسكوتلندي بزعامة السيدة نيكولا ستارجيون، الذي حصد 56 مقعدآ من 59 وهي حصة إسكوتلندا في البرلمان البريطاني. ونفس هذا الحزب فاز منذ فترة في الإنتخابات الإسكوتلندية المحلية

وشكل الكحومة، رغم إن نتائج الإستفتاء على الإستقلال أتت لصالح بقاء إسكوتلندا ضمن الإتحاد البريطاني ولو بنسبة ضئيلة جدآ.

ماذا يعني ذلك؟ برأي يعني شيئآ واحدآ، وهو زدياد ثقة الناس بالحزب ودعمهم لتوجهاته الإستقلالية، وستسعى الزعيمة الجديدة للحزب السيدة ستارجيون الى إجراء إستفتاء أخر حول مصير إسكوتلندا، عن قريب. هذا إلى جانب سعي الحزب إلى توسيع صلاحيات الحكومة والبرلمان المحلي وخاصة في المجال المالي.&

البعض يطرح التساؤل التالي: لماذا يرغب الاسكوتلنديين الإنفصال عن بريطانيا، ما دام يعيشون في بلد ديمقراطي ولا يتعرضون للظلم ؟

إن الرغبة في الإستقلال عند الشعوب المضطهدة أو التي إضطهدت طويلآ، ولا تملك سيادتها على أراضيها، وحرمت من الحرية والإستقلال لعهود من الزمن، ليست دومآ نابعة من المشاكل الإقتصادية، أو لغياب الديمقراطية أو لتعرضها المباشر للظلم والإضطهاد. وهذا هو الحال مع الشعب الإسكوتلندي وقبل ذلك كان الوضع مع الشعب السلوفاكي، الذي عن التشيك.&

صحيح إن بريطانيا اليوم بلد ديمقراطي، ولكن الإنكليز هم من كانوا ولا يزالوا، يقررون كل شيئ من لندن للإسكوتلنديين منذ مئات الأعوام، وقاموا بإستغلاهم وسرقوا خيرات بلدهم وعاملوهم كمواطنيين من الدرجة الثانية وحاربوا لغتهم "الغيلية". ولفترة أكثر من ثلاثمئة عام رفض الإنكليز، منح الإسكوتلنديين أية حقوق سياسية وثقافية. والبرلمان والحكومة الإسكوتلندية الحالية، عمرهما لا يتجاوز عدة سنوات فقط.

كل هذه السنين الطويلة من الذل والحرمان والقهر، التي عاشها الإسكوتلنديين في ظل الحكم الإنكليزي الجائر والإستعماري البغيض، رسخ في عقول ووجدان هذا الشعب، فكرة الإستقلال بأي طريقة ونيل حريته، ويكون سيدآ في وطنه. وهذا الشعور الفريد من نوعه، لا يفهموه سوى أبناء الشعوب المضطهدة، كالشعب الكردي والكتلوني والتاميلي والإسكوتلندي والفلسطيني.

إنا على ثقة تامة، بأن دولة إسكوتلندا وكردستان المستقلتين قادمتين لا محال، إن شاء الإنكليز والفرس والأتراك وبعض العرب، أم لم يشاؤوا.

هناك بعض الدول، هي بقايا إمبراطوريات شريرة، مثل بريطانيا وتركيا وأسبانيا وإيران وروسيا، تفعل المستحيل للإحتفاظ بما تبقى لها من بقايا إمبراطورياتها، ولهذا جميع هذه الدول تعيش في أزمات مستمرة، وتتعرض باستمرار إلى مشاكل داخلية، وأحيانآ يصل الأمر إلى صدام مسلح بين حكومات تلك البلدان والشعوب التي ضمت الى تلك الدول بالقوة.

رغم كل التحولات، التي شهدها العالم بعد سقوط جدار برلين، مازالت حكومات هذه البلدان، تكابر هذه وترفض منح المجال لتلك الشعوب المضطهدة، لشقها طريقها نحو الحرية والإستقلال! فهي تريد أن تستمر في نفس سياساتها الرعناء والحمقاء، دون أن تعي إن العالم قد تغير، ولا يمكن حرمان شعوب بأكملها من حريتها وإستقلالها.

وبرأي ليس أمام حكومات هذه الدول، سوى الرضوخ لأمر الواقع، والإقرار بحقوق تلك الشعوب المناضلة والتواقة للحرية، ولهذا من الضروري تفكيك هذه الدول وإعادة تركيبها من جديد، بعد أن تستقل عنها تلك الشعوب الراغبة في الإستقلال عنها، والأفضل أن يتم ذلك بشكل سلمي، فهذا في مصلحة الجميع دون شك.

&