جميل أن يقول الإنسان لحكام العرب "لو كنت مكانك" وأنا أعيش في زاوية بعيدة من هذا العالم التعس. لكنني كنت أود لو يسألني أحدهم قبل عقد المؤتمرات عن نووي إيران. لقد اقام العرب القيامة ولم يقعدوها بسبب نووي طهران، وغاب عن عقولهم أنهم قدموا لإسرائيل هدية لا تقدر بثمن. لماذا لم تتركوا إيران تطور قنبلة نووية مقابل أن تكف شرها عن بلاد العرب؟ هي أصلا لا تحتاج إلى قنبلة نووية لاستعمالها ضد العرب، لأن لها أذرع كالأخطبوط في كل مكان وفي جوارك وأنت جالس على مكتبك في العمل. عندما اخترقت إيران العراق وسوريا واليمن، هل كان لديها قنبلة نووية مكنتها من ذلك الاختراق؟ ومن الذي جن جنونه لامتلاك إيران قنبلة نووية، هل هم العرب أم إسرائيل؟&

لو كنت مكان العرب، لشجعت إيران على امتلاك قنبلة نووية مقابل أن تتركنا وشأننا، ثم كثفت الجهود لتثقيف العرب ونشلهم من تخلفهم الذي هدر دمائهم ومواردهم من دون حساب، وجعلهم يصلون إلى الحضيض. لم تكن إيران لتستطيع أن تخترق الشعوب العربية لولا تشريب أدمغتهم بالنزعات الطائفية التي قضت عليهم وسوف تمحقهم أكثر وأكثر، وها هما العراق وإيران يلغيان التأشيرة بينهما، مما يعني أننا فقدنا عراقنا الذي كان ولا أمل في عودته. وإذا ما نجح الأسد في سحق الثورة فهذا يعني أن سوريا أصبحت أيضا في قبضتها.&

لقد كان في يد العرب ورقة للتفاوض عليها وأسقطوها وكان يمكنهم تحقيق القليل من المكاسب من إسرائيل وإيران. لقد نجحت إيران بإثارة الفزع بين صفوف العرب، وكان حريا بهم ألا يفزعوا وأن يقنعوها أن تصنع ما بدا لها من القنابل النووية ويفاوضونها على تحقيق مكاسب منها وكف يدها عن التلاعب بالداخل العربي.&

لقد سبقت أمريكا العرب فتفاوضت مع إيران لإقناعها بالتخلي عن القنبلة النووية، حماية لإسرائيل، ولا أحد يعلم ما هي المزايا التي قدمت لها في المقابل، وحين تقاطر العرب إلى كامب ديفيد ورفعوا من مستوى التحالف الآستراتيجي مع الولايات المتحدة، أصابت الولايات المتحدة عصافير كثيرة بحجر، على جانبي الخليج، وإسرائيل. وها هي تكثف الحملات الجوية ضد داعش، هل لهذا الأمر مدلول أم مجرد مشاركة في التحالف ضد داعش؟&

هناك نوعان من القوة تحتاجهما الدول "القوة الناعمة" و "القوة الخشنة" والأولى هي كما فعلت إيران بغسل الأدمغة وجعل الناس متطرفين طائفيا والثانية هي من خلال امتلاك القنبلة النووية، ولا أظن إيران إلا معتمدة على "القوة الناعمة" في حربها مع العرب. فقد تمكنت من التغلغل بينهم وجذبهم لها وتجييشهم ضد أبناء جلدتهم، ولو كان العرب أكثر حكمة، لتصدوا للقوة الناعمة بمثلها، وهم أقدر على ذلك بفضل ثرائهم وتراثهم العربي الثري.&

ترى لو عاد التاريخ إلى 28 حزيران 2004، هل سيتصرف العرب بطريقة مختلفة؟ آنذاك هرعت إيران لتسد الفراغ الذي خلفه خروج بول بريمر من العراق بسبب كثرة العمليات والتفجيرات التي كانت تحدث كل ساعة. أما كان الأفضل للعرب أن يخاطروا بأنفسهم ويسدوا الفراغ ويعيدوا الأمن إلى العراق ويحولوا دون استفراد إيران به؟ والآن دور سوريا، وعلى الأغلب أن الاتفاق النووي احتوى بعض البنود عن سوريا، لأن إيران لن تتخلى عن النظام في سوريا وقد أرسلت جنودها وأسلحتها وأنفقت الكثير وهي تتوقع الكثير بالمقابل أيضا، فهل ستقبل بالخروج من سوريا ببساطة؟ أغلب الظن أن سوريا هي إحدى غنائم إيران كما كان العراق من قبل.

&