شخصيات سياسة ودينية واجتماعية، وأحزاب وكيانات، ومكونات قومية ودينية عراقية، ودول مجاورة للعراق وأخرى بعيدة، سحبت نفسها من التعاون مع حكومة المالكي، وعلقت كل مشاكل العراق على شماعة المالكي، وأعلنت جهارا نهارا أن كل مشاكل العراق ستنتهي برحيل المالكي.
&
رحل المالكي، ومضت 10 شهور على تسلم العبادي للسلطة، وكل الذين خاصموا العملية السياسية (الذين أشرت إليهم في السطر الأول) رحبو برحيله وأعربوا عن كامل استعدادهم للتعاون مع العبادي في حل مشاكل العراق، فهل يا ترى حُلت المشاكل أم بقيت كما هي أم تفاقمت؟
&
الكثيرون، وخاصة أولئك الذين علقوا مشاكل العراق على مشجب المالكي، تفاءلوا بحل المشاكل على يد العبادي، ولكن هل يجرؤ أحد اليوم على القول ان المشاكل انتهت؟
هناك مشاكل لم تقع نتيجة سوء أداء الحكومة العراقية، وانما فرضت عليها، وتأتي في مقدمتها انخفاض اسعار النفط، فقد تعرضت ميزانية العراق والعشرات من الدول لضربة قاصمة نتيجة هذا الانخفاض، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن جانبا من المشاكل التي يعاني منها العراق اقتصادي، فان انخفاض أسعار النفط يراكم هذه المشاكل.
&
ومن المشاكل المفروضة على العراق بشكل خاص دون غيره من البلدان هي قضية تزويد قواته العسكرية، بالأسلحة المتطورة والفتاكة، وقد شاهد الكثيرون مقطع الفيديو الذي يظهر فيه جنود عراقيون يطلقون نيرانهم على مصفحة مفخخة لداعش، ومع ذلك فان المصفحة تشق طريقها نحوهم غير عابئة بالرصاص الذي يصيبها، ثم بعد ذلك تنفجر.
&
يشكل هذا النوع من المصفحات التي صنعتها داعش اليوم تحديا كبيرا للقوات العراقية، وبمثل هذه المصفحات قتل نحو 50 عنصرا من عناصر الشرطة الاتحادية الأسبوع الماضي في سامراء، وذلك عندما تقدمت نحوهم مثل هذه المصفحات وتفجرت، فلو كان لدى القوات العراقية قذائف تخترق هذه المصفحات فهل سيضطرون الى مواجهتها بالرصاص؟
&
وأكاد أجزم أن انخفاض أسعار النفط، وعدم امتلاك القوات العراقية للأسلحة المتطورة وغيرها من الأسباب، لاتعد تحديا رئيسيا كالخلافات بين العراقيين سواء على صعيد شخصيات أو أحزاب أو كيانات أو قوميات ومذاهب، فهي وراء كل اخفاق وفشل خاصة على الصعيد الأمني والذي يتمثل في القضاء على الارهابيين، أو على الصعيد الاقتصادي كتوقف التنمية والاعمار وتدهور الوضع الاقتصادي.
&
الخلافات السياسية التي تحدث في العراق يقل نظيرها في العالم، فليس هناك أي بلد في العالم يخوض معركة شرسة ضد الارهابيين بينما يسمي بعض سياسيي هذا البلد الارهابيين بالمقاومين، أو أنهم يهاجمون الذين يقاتلون الارهابيين ويتهمونهم بشتى أنواع الاتهامات، ومع أن العراق يواجه خطر الانهيار الكامل غير أنه لا توجد مؤشرات على استعداد السياسيين لتجاوز خلافاتهم التي أدت إلى تدهور الأوضاع على كافة الصعد والنواحي، فهل يا ترى ان الخلافات قدر محتوم ولن يكون بوسع الحكومة التوصل الى حل لها؟
&
الحكومة العراقية خاضت تجربة الحزم في تجاوز مشكلة الخلافات خاصة في السنوات الأربع الثانية من حكومة المالكي، غير أن النتيجة كانت هي مقاطعة الحكومة وفرض عزلة عليها، تطورت فيما بعد الى عزلة اقليمية ومن بعدها عزلة دولية ووصلت الأمور الى طريق مسدود.
&
جاءت حكومة العبادي بنهج معاكس ومغاير تماما لحكومة المالكي، ومع انها استوعبت الجميع وكسبت الدعم والتأييد الاقليمي والدولي، ولكننا نعود ونقول انه لا يوجد أحد يستطيع أن يتجرأ ويقول ان الحكومة استطاعت حل كل المشاكل.&
&
مرونة العبادي قربت بين القوى العراقية ولكن التقارب ليس كافيا في حل المشاكل وانما ينبغي وجود خطة ترتكز على اساس متين، وليس هناك مرتكزا أقوى من الدستور، غير أن المرونة وحدها لا تكفي لتنفيذ الخطة إن لم نقل أن المرونة ليست الوسيلة المفضلة للتنفيذ، ورغم أن الحزم أداة تنفيذية ناجحة الى حد ما إلا أنه مع وضع العراق فانه يجب المزج بين الحزم والمرونة.
&
المزج بين الأمرين ليست عملية بسيطة بل في غاية التعقيد، إذ ليس من السهل أن يعتقد المسؤول العراقي أو السياسي انه في الوقت الذي ينبغي عليه تنفيذ الخطة فانه غير مستهدف من تنفيذها.
وبما أن العبادي أثبت للجميع بأنه مرن ومنفتح ولا يستهدف أحدا بعينه ولا هم له سوى أمن العراق وتقدمه وازدهاره، فما عليه الا أن يكون حازما في تنفيذ الخطط والمشاريع واقناع كل المعنيين بهذه الخطط أنها لصالحهم ولا خيار لهم سوى القبول بها، ولكن عن طيب خاطر وقناعة وليس عن ضغط وتهديد، وإلا فان العبادي سيفشل ولن تثمر مرونته عن شيء، كما هو الحال للمالكي الذي لم يحقق شيئا من حزمه.