لا يزال من المستبعد بأن يكون أغلب المعارضين الكرد في سوريا قد فكروا يوماً بأن يجعلوا من حزب الاتحاد الديمقراطي حقلاً لتجاربهم السياسية، أو يجعلوه بالون اختبار في مرحلةٍ ما، ولا هم ربما بقادرين أصلاً على القيام بذلك الدور التشغيلي للآخر المختلف حزبياً، بل كان العكس دائما هو الذي يحصل، أي أن الحزب المذكور من خلال زئبقيته وضبابية خطاباته وبهلواناته السياسية هو الذي يُحرِج باقي الأحزاب الكردية في كل مرحلة وبالأخص في الموقف من النظام والمعارضة السورية على حدٍ سواء.&

أما بعدَ عُقدة تل أبيض وبعد ظهور مستجدات في المواقف المستبطنة لدى الكثير من ساسة ومثقفي المعارضة السورية، حيث وضَعت تبعات ما جرى في تل أبيض الكثير من المعارضين الكرد على اختلاف أحزابهم في خانة التساؤل الجوهري، عن ماهية وجودهم كمعارضين كرد بين قوى المعارضة السورية ككل، وأين هو موقعهم الحقيقي في بال الآخر الشريك في المعارضة، باعتبار أنهم خَبِروا النظام على مدار أربعين سنة، وأدركوا بأن لا رجاء من شفائه، وبعد انطلاق الثورة حزموا أمرهم وانضموا للمعارضة التي تهدف الى تقويض النظام المستبد، والاتيان بما كان أفضل منه حسب المواقف المعلنة ومجمل كتاباتهم السياسية، إلا أن فلتات الألسن للكثير من وجوه المعارضة هنا وهناك أظهرت خلاف ما يضمره الكثير من شركاء المستقبل، وهو ما قد يدفع الكثير من المعارضين الكرد الى الفرملة، وأخذ استراحةٍ ثورية، ومعاينة ردود أفعال الشارع العربي بنشطائه وسياسييه ومثقفيه، بعد الهبة الواحدة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي ليس لشيء سو أنه حزب كردي.

فبالرغم من أن الأحزاب الكردية مجتمعة بيمينها ويساريها يشككون ببرنامج حزب الاتحاد الديمقراطي، بل ويعتبرونه حزب غير كردي وما من مشروع قومي حقيقي لديه، باعتبار أن الحزب نفسه ومن خلال تصريحات مُنظريه يرون بأنهم متجاوزون الحالة القومية، بينما معظم الكتاب والنشطاء ومثقفي المعارضة السورية يعتبرون حزب الاتحاد الديمقراطي حزباً كردياً انفصالياً، وفي هذا الجانب لا الكردي المتفق مع الحزب ولا الذي يعارضه بقادر على إقناع المعارض العربي بأن هذا الحزب هو أساء للكرد أكثر من كل المكونات في سوريا، بل وأن العربي في مناطق نفوذ هذا الحزب كان مدللاً على حساب الكردي، مع أنه لا أحد يستطيع أن يجزم بأن هذه الفئة أو ذلك الجناح له وجه حقيقي واضح الملامح، طالما أن شعارات وهتافات ذلك الحزب كأسعار البورصة ترفع الى أعلى سقفٍ لها وقد تصل الى حالة الركود الشعاراتي ويستجدي حق الحياة فقط، ومثالنا الحي هو حزب العمال الكردستاني في تركيا الذي كان يناضل من أجل تحرير وتوحيد كردستان، بينما اليوم يدور بشعاراته في فلك التعايش والأمة والشعوب الديمقراطية.&

والغريب في الأمر أن معظم المعارضين الكرد في سوريا يتهمون حزب الاتحاد الديمقراطي بالتخاذل والتنازل عن الحقوق القومية المشروعة للكرد، وفق ما ورد عن حقوق الشعوب في المواثيق والأعراف الدولية كشعب يعيش على أرضه التاريخية، وثمة مفارقة أخرى وهي أن أغلب أولئك المعارضين الكرد مع أحزابهم لا يمتلكون شيئاً على الأرض بينما حزب الاتحاد الديمقراطي والى هذه الساعة هو الوحيد الذي يسيطر على كل المناطق الكردية.

فتصورا إذن وطبعاً وفق منظور أغلب المعارضين الكرد أن ذلك الحزب أي حزب الاتحاد الديمقراطي لا يريد شيئاً خاصاً بالكرد، وذلك اعتماداً على أهدافه المعلنة وبرنامجه السياسي، ومع ذلك لم يُقبل به وجودياً من قِبل معظم القوى والفصائل العسكرية بالتوازي مع المعارضة المدنية العربية وذلك فقط لأن للحزب المذكور ملامح كردية.

علماً أن الحزب نفسه يتبرأ من الحالة القومية ويعتبر نفسه ممن تجاوز ذلك التفكير القومي، والشيء الحقيقي والذي لا أحد يستطيع إنكاره من قِبل أي فصيلٍ موالي أو معارض، هو أن كلمة الكردي لم ترد لا في اسم الحزب ولا في اسم جناحه العسكري، باعتبار أن اسمه بعد الترجمة الحرفية عن الكردية هو: حزب الاتحاد الديمقراطي، وجناحه العسكري يسمى بـ: وحدات حماية الشعب، ومع ذلك فلا الشارع العربي ولا المثقف العربي يقدرون على تقبل فكرة اللاانتماء القومي للحزب المذكور وجناحه المسلح، وهذا الموقف بدا واضحاً لدى الجميع، فحتى لو لعن الحزب ليل نهار جانبه القومي فالآخر لا يراهُ إلا حزباً كردياً مهما انغمس في تلافيف ماضيه الأحمر أو تلحف بأسمال الديمقراطية.

والإشكالية بعد الهيصة الأخيرة غدت في ديار باقي المعارضين الكرد على اختلاف أحزابهم، الذين يرون في الاتحاد الديمقراطي بأنه المستأثر بكل شيء وينفون عنه الصفة الكردية، والصحوة صارت مشتركة لدى الطرفين، الطرف العربي الذي رأى من خلال الأحداث الأخيرة بأن حزب الاتحاد الديمقراطي حزباً كردياً انفصاليا وتم مخاطبته على هذا الأساس، بل ووضعوا كل الكرد في خانة الحزب المذكور، والإشكالية ظهرت الى السطح في الأيام القليلة الماضية أي أوانَ وبعدَ اشتعال الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بأنباء سيطرة وحدات الحماية على تل أبيض وعين عيسى، وردود الفعل القاسية لدى معظم كتاب ومثقفي وساسة المعارضة السورية، وبات المُعارض الكردي في موضع الشك بنفسه كمعارض من جهةٍ وبمكانته لدى الآخر من جهة أخرى، وراح الواحد منهم يخاطب نفسه قائلاً: فإذا كان الحزب الهلامي الذي ما من مشروع قومي واضح لديه واتهم بالانفصالية من قِبل كل أولئك الذين شغلوا الشاشات العربية بالخطر الكردي ليل نهار، فكيف الأمر سيكون عليه مع برامج الأحزاب الكردية الأخرى، هذا إذا ما أعلنت تلك الاحزاب عن برامجها وتم تداولها في الشارع العربي فأين ستُصفى تلك الأحزاب حينها مع سيل الاتهامات والشتائم والتخوين والحملات الممنهجة ضدهم؟.

فيا ترى هل ستكون المعمعة التي أحدثتها المعارك الأخيرة في ريفي الرقة وكوباني محطة للتأمل لدى المعارضين الكرد، حيث يبحث واحدهم عن مكانه وموقعه الحقيقي في عقل الشركاء المُعارضين الذين أثبتت المفارق والمنعرجات اليومية في سوريا بأن معظمهم لم يتخلصوا من ثقافة البعث العفلقي حتى الآن، وبالتالي ربما على المعارض الكردي أخذ العبرة من تل أبيض، ويجعلوا ولو لمرةٍ واحدة حزب الاتحاد الديمقراطي بالون الاختبار الحقيقي والمحك لمعرفة مدى اقتناع وايمان الشريك المعارض بقصة الحقوق المشروعة للشعوب، تلك اليافطات التي نسمعها كثيراً في الأعياد والمناسبات، أم أن إيراد تلك الديباجات في سياق منشورات قوى المعارضة لا يعني بالضرورة الاقتناع والالتزام بها؟ إنما تكون بمثابة بهارات رُشت للتزويق والتجميل ومن باب رفع العتب ليس إلا، وبالتالي سقوط كل تلك الديباجات مع الزمن تحت أقدام الشارع العربي، وكذلك كل وسائل الإعلام التي تتبع الشارع وتحاول استرضاء ذلك الشارع الذي لم ولن يؤمن يوماً بكل تلك الفقرات والنصوص المدونة في وثائق المعارضة باعتبارها ليست أكثر من اكسسوارات تم تجميل برامج المعارضات بها لإرضاء بعض المكونات الداخلية بمضامينها، وكذلك لدغدغة مشاعر المنظمات والمؤسسات والدول الغربية لا أكثر ولا أقل.&

&