&لا شك لدي إن «الإتفاق» الذي وقعت عليه اليونان قبل أيام في بروكسل، هو مذل لكل اليونانيين وبالأخص لقادتهم السياسيين الفاسدين، الذين أوصلوا البلاد إلى حالة الإفلاس التام. وبرأي لا يمكن تسمية ذلك بالإتفاقية، فهي شروط ألمانية قاسية جدآ، فرضتها المانيا على اليونان باسم الإتحاد الأوروبي، بدعم من بعض الدول مثل هولندا وفلندا.

إن الذي يتحمل مسؤولية تدهور الوضع المالي والإقتصادي لليونان، هم حكامها في المقام الأول، ومن ثم قادة دول الأتحاد الأوروبي، الذين ضموا اليونان لمنطقة اليور دون أن تلبي اليونان معايير الإنضمام. إن أزمة اليونان لا علاقة لها بالأزمة المالية

العالمية التي إنفجرت عام 2008 في أمريكا وأصابت كل العالم. حيث أن الأزمة اليونانية سبقت ذلك بكثير. وسر الأزمة اليونانية تعود لعدة أسباب رئيسية منها:

1- إنضمام اليونان لمنطقة اليورو، دون أن يكون إقتصادها مستعدآ للمنافسة، وهذا أثر سلبآ عليها. فمثلآ قبل الإنضمام كان دخل الفرد في اليونان، يعادل نصف دخل المواطن الألماني. بينما اليوم نصف سكان اليونان يعيشون تحت خط الفقر، والبطالة فاقت كل حدود والشباب المتعلم هاجر اليونان.

2- زيادة نفقات الدولة التي فاقت دخل الدولة، مما إضطرتها إلى الإقتراض من البنوك والخارج.

3- عدم قيام الدولة بجباية الضرائب من الأغنياء، وتهريب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد.

4- إعفاء جزر كثيرة من ضريبة الدخل.

5- عشعشة الفساد في جميع مؤسسات الدولة.

6- عدم قيام الحكومات اليونانية بهيكلة الإقتصاد، وإحتفاظها بمؤسسات كبيرة خاسرة وعدم بيعها للقطاع الخاص.

أما لماذا هو إتفاق مذل، لأن اليونان لم تعد تملك سيادتها، أصبحت الحكومة اليونانية تدار من قبل الترويكة الأوربية، وهي مرغمة لبيع أملاكها ووضعها في صندوق خاص وتحت سيطرة موظفي بروكسل بالكامل. وعليها تأمين مبلغ 50 مليار يورو، ولهذا اليونان مضطرة لبيع كافة الممتلكات العامة التي تملكها لتأمين هذا المبلغ الهائل. فهي مضطرة لبيع المطارارت والموانئ والمعامل وحتى بعض الجزر. والترويكا الأوربية هي التي ستحدد ما سيتم بيعه من منشأت وموانئ ومطارات وشركات وعقارات، ولن تستطيع الحكومة الإعتراض على ذلك نهائيآ. هذا إضافة إلى مراقبة البنك المكزي وتحديد سقف الرواتب والحد الأدنى للإجور ومعاشات التقاعد وسن التقاعد،... إلخ.

وهنا أتساءل ماذا بقي من السيادة اليونانية بعد كل هذا؟ على حد علمي لم يحدث في التاريخ، أن أذلت دولة بهذا الشكل من قبل، وهذا باعتراف الكثيرين من القادة الغربيين أنفسهم.

اليونان إضطرت إلى قبول تلك الإتفاقية المذلة، لأنها لم يكن أمامها أي خيار أخر، ورفضها للإتفاقية كان سيعني إنهيار كامل للدولة اليونانية وحالة من الفوضى العارمة، وإضطراب إجتماعي، لهذا إختارات أهون الشرين برأي.

السؤال الأن: هل الخطة التي وضعها القادة الأوربيين لإنقاذ اليونان، قادرة على إنقاذها حقآ؟

أنا أشك في قدرة هذه الخطة، من إنتشال اليونان من وضعها المزري، وبرأي كان من الأفضل خروج اليونان من منطقة اليورو، وبقائها داخل الإتحاد الأوربي فقط. لأن هذه الخطة القاسية جدآ، غير قادرة على إنعاش الإقتصاد وإحداث المطلوب، ما لم يتم شطب الديون المستحقة على اليونان على الأقل بنسبة 70% والتي تخطت 250 مليار يورو.&

لا أدري كيف يمكن لإقتصاد منهار تمامآ، وفي ظل إنحسار الطبقة الوسطى بشكل كبير، وإفلاس ألاف الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإرتفاع معدل البطالة بشكل مخيف، هذا إلى جانب زيادة الضرائب وخفض الرواتب، سوف ينهض الإقتصاد اليوناني من جديد ويسدد تلك الديون الخيالية، في ظل غياب أي إستثمار حكومي أو خارجي!!!&

إذا أردت أن تنشط إقتصادآ ما، فعليك بخفض الضرائب ونسبة الفائدة على القروض، وزيادة الإستثمارات لتأمين فرص العمل وزيادة القدرة الشرائية للناس، كي يستطيعوا شراء المنتجات، وتدور عجلة الإقتصاد من جديد. والإستثمار الخارجي كما نعلم بحاجة لتأمين الظروف المناسبة والجذابة لها.&

بنظري الخطة الأوربية كان هدفها الرئيسي، هو إنقاذ اليورو والحفاظ على الوحدة الأوروبية السياسية، أكثر منه لعلاج النزيف اليوناني. والإتفاق الذي وقع، ليس سوى خطوط عريضة، وكل عنوان منه مازال بحاجة إلى قانون تفصيلي، وهنا ستظهر المشاكل والخلافات الحادة كثيرآ. ولهذا لستُ متفائلآ على الإطلاق، في قدرة هذه الخطة على إنتشال اليونان من البئر.&

&

&