ما جرى أمامي من حدَث لم يكن مارّا مرور الكرام ولا حالة مألوفة في زماننا المقطوع الصلة بالجوار والقريب كما يُخيّل إليّ وبقي في داخلي محيّرا ونازعتني نفسي ان أسرده لكم اعزّاءنا قرّاء ايلاف دون اية رتوش أو إضافات
فما أقوله ليس حلماً ولا هو من نسج الخيال ولكني أعترف بأنه ظاهرة نادرة جدا في ايامنا الحالكة هذه وتكاد تكون قد اندثرت لأني لم اشهد سعادة وحبورا كالذي شهدته في الايام القليلة الفائتة حين جاء جارنا العتيد الى بيته بعد غربة طويلة في المنفى حاملا آثاثه الجديدة ؛ جالبا اسرته معه وكأن السعد والبهاء والفرح أطلّ من طلعته الضاحكة التي توافقت مع حلول عيد الفطر المبارك . وعاش الزقاق الذي اسكن فيه حركة وجلَبةً لم اشهدها منذ سنوات ، لمست ترحابا كبيرا من ساكني الزقاق القدامى لهذا الصديق القديم الجديد مع اطلالة العيد والذي سيكون واحدا منا ويمكث معنا ؛ فهذا يولم له غداءً فاخرا ويدعو بقية الجيران للمشاركة في المائدة العامرة& وذاك يصرّ على حضور بقية الجيران على العشاء في اليوم اللاحق .وفي اليوم الثاني للعيد همّ السكّان في المحلّة بترتيب البيت وتنظيفه ونقل الآثاث بتأنٍ وبعناية فائقة بالتعاون معنا بصورة تبعث على التآزر والعناية بهذا الزائر الجار الميمون الذي غاب طويلا ، أنا بدوري قمت بالتسوق بما لذّ وطاب تحضيرا لوليمة أفقدت من مالي الكثير وأقمتها إكراماً له وتضامنا مع الجيران الذين تنافسوا على دعوته وكانت جلسة ملؤها المحبة وتوثيق اواصر الجوار
وعلى مدى ثلاثة ايام هي عطلة العيد كان زائرنا يحلّ ضيفا مع عائلته هنا وهناك ويتنقل من بيت الى بيت ضمن زقاقنا معزّزا& مكرّما بحفاوة بالغة ودارت بيننا اثناء دعوات الطعام حوارات جميلة كالتي كنا نسمعها من آبائنا وأمهاتنا حين يأتي ضيف عزيز& ويقيم بيننا
قلت في نفسي أوّل وصولهِ متعجباً ؛ مالذي يجري ؟ قبل ايام كنا لا نعرف ماذا يدور في زقاقنا ولاندري هل جارنا الملاصق لنا مرضَ ام لا ؟! ولم ألمس حنواً وتعاطفاً في عيد الفطر الفائت والمناسبات الاخرى التي سبقته كمثل هذا التآزر والتعاطف؛ وحسبت ان الرجل قد يكون صار ثريّاً كبير الشأن& أو أضحى متنفذاً ، صاحب جاهٍ أو ثروةٍ ويحاول الآخرون التقرّب والتودد اليه مثلما اعتدنا هذه الايام ولكن ظني خاب منذ اول لقاء معه . ما السر إذاً ؟؟! ولمَ الحفاوة والترحاب الذي هطل علينا بعد جفاف العلاقات بين ابناء الحيّ الواحد& وكيف قام هذا الزائر الكريم والضيف العزيز بجمع شتاتنا وتوثيق اواصر الجوار بهذه السرعة الفائقة ؟؟! حقا لقد جعل الله- تبارك وتعالى- لكل شيء سببا ، ربما الصدفة وحدها لعبت دورها في صقل قلوبنا من صدأٍ علق بها وذا العيد السعيد الكريم أزال ماعلق فيها . كما ان من يقيم جوارنا – وهذا العائد منهم --& من الأقدمين الاصلاء ذوي المعادن النقية وجاء هذا الحدث العابر ليصقل القلوب ويردم جدار الجفاء ويعيد لمعان العلاقات الحميمة بين سكان الحيّ الواحد& وهذا ما أرجّحه تماما ؛ وكم كان ظنّي مصيبا لأن هذه التقاليد الاصيلة نابتة فينا ، مزروعة داخل كياننا ، توارثناها عن آبائنا وأجدادنا لكنّ غبار السنين وركام الهموم التي نعيشها والمتطلبات الاساسية اليومية التي تضغط علينا قد تنسينا ما تأصّلنا عليه ولا تحتاج سوى غيث يهطل علينا ليعيد الاخضرار والنماء في قلوبنا قبل ان تقسو مثلما حلّ جارنا العائد من غربته وأعاد سقي غصون الجوار فأينعت وتشابكت محبة وتآلفا فمازلنا نرى قلوب أهلنا العرب وعموم المشرقيين& بحرا هائلا من الدرر والللآلي الثمينة وقطعا من الماس المتعدد الالوان الكثير السطوع وتحتاج فقط الى من يعيد صقلها ويظهر لمعانها وأفضل مناسبة هي استغلال الاعياد والمناسبات المفرحة لإعادة ترميم اخلاقنا وصيانة محبتنا واستثمار ايّ حدث ولو كان عابرا بسيطا لتذكيرنا بقيم التسامح والمحبة وسعة الصدر والطيبة المفرطة التي كنّا نتحلى بها كي تعاود سطوعها وتهنأ في وسط مجتمعنا . فما الضير لو نعيد صياغة " عيدٌ باية حال عدت ياعيد " بكل مافيها من يأس وأسى وعجز وبكاء على الماضي الذي لايعود ونقولها بصيغة اكثر بهاءً وسعدا " عيدٌ بأسعد حالٍ عدت ياعيد ُ

[email protected]
&