أخيرا تحقق الحلم، وبات واقعا لا تخطئه عين في يوم تاريخي هو السادس من اغسطس2015 حين أثبت المصريون أنهم قادرون على الإنجاز في الوقت المحدد، لحظات يعجز القلم عن وصفها، تملكني شعور بالفخر ككل المصريين، وأنا أرى قائدا وعد فأوفى، قائدا لديه حلم بأن تكون بلده بحق أم الدنيا، ها هو الرجل القوي الأمين رئيس مصر "عبد الفتاح السيسي" يعطي إشارة بدء تشغيل قناة السويس الجديدة،وسط جمع من الملوك والرؤساء العرب والأجانب، مشهد يتكرر بعد 146 عاما وتحديدا عام 1869، حين افتتح الخديوي إسماعيل قناة السويس من على متن نفس يخت المحروسة أقدم قطعة بحرية في العالم، تذكرت حلم المفكر الراحل "جمال حمدان" بتوسعة المجرى الملاحي للقناة كداعم رئيس لهذا الشريان الذي يضخ جانبا كبيرا من الحياة في أرض مصر، حلم عاش معه، وسطره في كتابه (قناة السويس نبض مصر) عام 1975، غاب حمدان عن عالمنا عام 1993 وها هو حلمه يتحقق واقعا ملموسا بعد ثلاثة وعشرين عاما من رحيله.

يقول حمدان "لاشك أن القناة التي اختزلت كل موقع مصر الجغرافي والاستراتيجي في شريط مائي حتى اصبح مرادفا للقناة أو أوشك، لاشك أنها جددت شباب موقعنا، لقد اصبحت بوابة ذهبية تجاريا، فلم يعد موقع مصر أخطر موقع إستراتيجي في العالم العربي وحده وإنما في العالم كله".

لا ننسى الإنسان المصري صانع هذا الإنجاز، يظل معدنه أصيلا، وإن تراكمت عليه الأتربة والغبار، إنسان مجد قوي، قد يعتريه الضعف من حين لآخر فيتعرض لمؤثرات مختلفة، لكنه&يظل محتفظا بطابعه وقيمه وصفاته الحضارية المتميزة، يقول حمدان في كتابه (شخصية مصر):" إن ما تحتاجه مصر أساسا إنما هو ثورة نفسية، بمعنى ثورة على نفسها أولا، وثورة على نفسيتها ثانيا، أي تغيير جذري في العقلية، والمثل، وايديولوجية الحياة، وذلك قبل أي تغيير حقيقي في حياتها وكيانها ومصيرها، ثورة في الشخصية المصرية، وعلى الشخصية المصرية، ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر، وكيان مصر، ومستقبل مصر".

مستقبل مصر بحاجة على هذا التغيير لأنها على اعتاب مرحلة جديدة من تنفيذ مشروع محور تنمية قناة السويس، مشروع تنموي سيغير وجه الحياة في منطقة القناة وسيناء وصولا لحدود القاهرة، ويشمل المشروع ثلاث مناطق رئيسية هي شرق بورسعيد، وفيها يتم إنشاء محطات حاويات وبضائع واصلاح سفن وتخرين وتموين وخدمات بحرية، ومنطقة صناعات خفيفة ومتوسطة وبترولية ووادي للتكنولوجيا، أما القنطرة فستقام فيها منطقة للتكنولوجيا، ومدينة سكنية وصناعات بترولية، أما العين السختة فستكون مركزا لاصلاح وصيانة السفن فضلا عن محطات تخزين وتمويل وفي ظهيرها الصحراوي مناطق خدمات، وصناعات بترولية، ووادي للتكنولوجيا، يوفر هذا المشروع مليون فرصة عمل ويعزز أمن مصر الاستراتيجي لاستغلال هذه المساحات الشاسعة من اللامعمور.

هذا هو الحلم الأكبر الذي سينقل مصر إلى مصاف الدول الكبرى، ومثلما أضاف المصريون رصيدا جديدا لدورهم الحضارى على مدى التاريخ فى هذا الموقع العبقرى على مفترق طرق الشمال والجنوب والشرق والغرب بإنجاز مشروع مهم، وسع قناتهم شريان حياتهم، وزاد من عمق غاطسها، وحقق ازدواج مسارها لمسافة 35 كيلو مترا، ما جعلها تستوعب مزيدا من السفن العملاقة خدمة للتجارة الدولية فهم قادرون بعون الله على إنجاز محور تنمية قناة السويس، وتغيير وجه الحياة على أرض مصر، لذلك تجسد قناة السويس الجديدة العزة والكرامة، وتعكس إرادة مصر الوطنية الحرة التى أنهت فى 30 يونيو 2013 اربعة اعوام عجاف، عاني

المصريون خلالها متاعب مهدت لسيطرة جماعة فاشية إرهابية على الحكم إلى أن نجح الشعب المصري في التصدي للمتأمرين بفضل الله أولا، ووضع مصر على الطريق الصحيح لبناء دولة عصرية، تقدم أولى انتاجها مشروع قناة السويس الجديدة، هدية مصر إلى العالم اجمع، وهمزة وصل بين دوله وحضاراته، تشجع على تبادل المصالح والمنافع بين الامم والشعوب، وها هي مصر عماد الاستقرار في المنطقة تقدم نموذجا لدولة حضارية تدعم أمن العالم وسلامه، وتسهم فى تقدم الحضارة الانسانية على خلفية ماض عريق، اخترعت فيه مصر الزراعة بين ضقتي نهر النيل الخالد، وعلمت العالم الكتابة، وتوصل المصريون القدماء في فجر التاريخ إلى حقيقة التوحيد هداية للعالمين، بما جعلها بحق أم الدنيا وتستحق مكانة لائقة بتاريخها وحضارتها فى صفوف الدول المتقدمة.