لا جدال في أن إحدى أشهر العبارات المتكررة في الخطاب السياسي الإيراني أن طهران "كانت وستبقى داعمة للمظلومين ولا فرق لديها سنة وشيعة".. هكذا قالها الرئيس الإيراني حسن روحاني وكررها غير مرة في تصريحاته، كما أن فحوى هذه العبارة ترد كثيراً على لسان مسؤولين وقادة إيرانيين، دينيين وسياسيين وعسكريين، على حد سواء.
ومن ناحيتي، كمراقب كنت و لا زلت ـ اتمنى أن يكون لهذه العبارة نصيب من الصحة أو الصدق، ولكني لا أجد في ممارسات طهران وسلوكياتها السياسية أدنى علاقة بهذه العبارة أو حتى مجرد الاقتراب منها، بل إن السلوك السياسي الايراني الذي يتسم بالتهور والغطرسة والشهوة التوسعية الطائفية، قد تسبب في تقويض كل ركائز الأمن والاستقرار الاقليمي في منطقة الشرق الأوسط، عبر سلسلة من التدخلات الإيرانية الفجة في العراق وسوريا واليمن ومملكة البحرين، حتى أن طهران تباهت علناً، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، بسيطرتها على أربعة عواصم عربية!!.
إشكالية التناقض بين الفعل والقول في السلوك السياسي الإيراني لا تقتصر على التحركات الخارجية، بل تنطلق بالاساس من تناقضات داخلية فجة، فطهران التي تزعم الدفاع عن المظلومين والمستضعفين من دون تفرقة مذهبية بين سنة وشيعة، تمتلك وجهاً قبيحاً لا يعرفه الكثيرون، ممن ينخدعون في القناع الزائف الذي تريديه، وتمارس من خلاله أبشع ممارسات الاحتلال والقهر ضد شعب الأحواز، الذي يعاني ظلماً وقمعاً وتهجيراً قسرياً وتطهيراً عرقياً وتمييزاً عنصرياً واضطهاداً شيعيا مقيتاً منذ عقود وسنوات طويلة مضت.

الأحواز.. قضية شبه منسية ضمن قضايا عربية عدة غائبة عن أجندة العمل العربي المشترك لأسباب واعتبارات عدة، ولكن هذا الغياب لا يلغي معاناة هذا الشعب العرب، ولا يعني بالضرورة استمرار هذا الخطأ الذي ينبغي أن يعالج عبر وضع هذه القضية على جدول أعمال القمم والاجتماعات العربية المشتركة، وطرحها في المؤسسات والمحافل الدولية من أجل استعادة حقوق شعب الأحواز، أو عربستان، وخوزستان بحسب المسمى الإيراني، الذي يئن يومياً تحت وطأة خطط التغيير الديموجرافي القسرية التي تمارسها السلطات الإيرانية من أجل تغيير التركيبة الديموجرافية للأقليم ومحاولة اسكات صوته ووأد حقوق سكانه التاريخية، وهي خطط تجيد طهران تنفيذها جيداً، بل إنها استنسختها في مناطق سنية في العراق ولبنان وغيرهما.
قصة الاحتلال الإيراني للأحواز شبه معروفة، ويمكن تقصي تفاصيلها التاريخية وتطوراتها الزمنية بكل سهولة ويسر عبر ضغطة واحدة على لوحة مفاتيح الحاسوب، ولكن ماهو شبه مجهول، وغائب نسبياً عن الوعي الجمعي العربي هو معاناة شعب الأحواز، وربما يعود التقصير العربي في هذه القضية لإزدحام أجندة العمل العربي المشترك بقضايالم تجد طريقها إلى الحل منذ عقود مضت، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تمثل ـ بجانب قضية الأحواز ـ جيوب احتلال ترسم وصمة عار على جبين البشرية، فهاتان القضيتان تضعان اسرائيل وإيران في سلة واحدة ومربعان متشابهان، بحيث يتقاسمان معا سمات الاحتلال بأبعاده وتوابعه القانونية وممارساته القسرية البائدة، ولا يختلفان سوى في تفاصيل الجغرافيا.
فمن باب السخرية الفارقة أن تزعم إيران الدفاع عمن تصفهم بالمضطهدين والمظلومين في دول عربية عدة، وهي التي لا تكف عن اضطهاد عرب الأحواز الذين تمارس بحقهم أسوأ انواع الاحتلال! بل وتحرم هؤلاء من ثروات وموارد اقليم هذا الاقليم الغني بموارده الطبيعية، التي تمثل في مجملها نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني.
ظلت الدول العربية والخليجية لفترات طويلة تلتزم سياسات خارجية قائمة على احترام سيادة دول الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وذلك تطبيقاً للقوانين والمبادىء والأعراف والمواثيق الدولية، وما تمليه مبادىء الدين الإسلامي الحنيف، ولكن هذه السياسات لم تفلح في بناء حوائط صد كافية تحول دون تدخل القوى الاقليمية المجاورة في الشؤون الداخلية للدول العربية، وها هي تركيا ـ على سبيل المثال ـ تحاول السيطرة على أجزاء من سوريا بل تعربد قواتها في أراضيها ليل نهار، وبلغ بها الحال أن فرضت العملة التركية على مناطق سوريا في إستخفاف مستهجن بالشرعية الدولية وسيادة الشعب السوري على أرضه، كما لم تقف هذه السياسات حائلا دون زج إيران بأنفها وأيديها التي امتدت لتسحب أحشاء دول وعواصم عربية عريقة وتلهو بها كيف تشاء!!
الآن، لم يعد هناك مجال للصمت، كما باتت سياسة حسن الجوار جزء من الماضي وتراث العلاقات في المنطقة بعد أن داستها أقدام الميلشيات الشيعية الإيرانية في العراق وسوريا واليمن، ولم يعد للعرب سوى تقديم يد العون لإخوانهم واشقائهم في الأحواز، الذين يعتزون بعروبتهم ويدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة وبأس في مواجهة احتلال إيران غاشم لا يريد أن يسمع العالم لهم صوتاً.
يجب أن تواجه إيران بحقيقة ممارساتها وأكاذيبها وخداعها، وحري بها أن تنصف المظلومين داخل حدودها قبل ان تتطلع إلى الخارج بزعم تقديم يد العون للمتستضعفين والمظلومين، فالظلم لا يتجزأ وليس له عنوانان، بل يظل الظلم ظلماً، أياً كان ضحاياه وهويتهم، سلوكا منبوذا لا تقوم به سوى تنظيمات ودول تريد العودة بالعالم أجمع إلى عصور التخلف والانحطاط.

&