من يخدم مجتمعه بدافع الإيمان الصادق، ولا تشوبه شوائب أدران الأعذار الواهية، كالذي يشع ويتغلغل نور الحق في قلبه وهداية لعقله، حين يكون ممتلكاً لوحي إرادة لا يضمرها أي نوع من وساوس الحقد والكره أو الشك. وبما انه من النادر جداً وفق متطلبات وضرورات العصر أن تجد من يتحلى بتلك الصفة الفعلية المرتكزة على نزاهة الصدق بإسداء الخدمة أو الخدمات اللازمة بوازع من ضميره الحي ودون أي مقابل، فلا بد ـ وعلى أقل تقدير ـ أن يجعل منابت الضمير تستشعره القهقري لمراجعة نفسه بأحاسيس طهارة النفس البشرية السامية التي تهديه لمبادئ السلوك الإنساني الإجتماعي، وزينة مكارم الأخلاق القويمة ليكون على مقربة من محبة الآخرين ومن نفسه أيضاَ، وممن يقرأ سيماهم في وجوههم بأنهم ينظرون اليه بإزدراء وإستخفاف، والإنتقاص من قدره بأقسى أنواع التأنيب أو التشهير المُتعمد من جراء سلوك الغِيبة والنميمة والتواطؤ المُغرض بالضرر لأسباب تفرضها غيرتهم وأنانيتهم التي لا ترتقي لشموخٍ في تواضع المَعني وتواضعه في الشموخ، أي بمعنى آخر تنافي معاني الإحترام والتعاون مع من هو فوق اعتباره الشخصي الذي تؤكده فضائله وخدماته. ناهيك عن الذين يشمئزون ممن لا يتجرأون على الإشادة بالمواقف الإيجابية للمَعني بمداخلاتهم التي يؤولون تتويجها بعبارات الممازحة لتبرير مواقفهم. وهذه الممازحة ـ شئنا أو أبينا ـ بأنها لا تقل شأناً عمّن يتسلح بصفات النقد المباشر بالضعف الذي يتحلى به المشوب بمركب النقص وفق ما تؤكده نظريات علم النفس.&
وهنا من منطلق هذا الإعتبار يتسع لنا الإشارة بشكل أوضح والقول: بما أن الإنسان خُلق إجتماعي بطبعه، فلا محالة من أن حياته الإجتماعية تفرضها سلوك البيئة التي يستمد منها تجاربه وفق معايشاته البيتية التربوية والمجتمعية في آن واحد، وإلى جانب ذلك بتوسيع وعيه المِهني وما تمليه إرادته بإختراق جدران الذات الإنفرادية في الإقدام على بناء شخصيته من خلال التثقيف الذاتي بوسائل الإعلام والتحصيل المعرفي التي هي من أسس رصانة مدارك الفرد. عندها يؤكد مكانته بين أوساط مجتمعه الصغير والكبير. فيكون والحالة هذه قد إمتلك استقلالية الرأي في التعرف على تشخيص من يعاشر، والتعامل معه بإسلوب مبني على معايير الأخذ والعطاء بشفافية التعبير الأخلاقي المتين، لا على شاكلة إتخاذ الموقف الذي يلائمه بين أبناء شعبه أو جلدته في كافة المحافل والمنتديات التي يتمثل بها وينضوي تحت لوائها، والمؤسف أن لا يلتزم بمواد دساتيرها. فالأندية الإجتماعية والثقافية يختارها ملاذاً له، والأحزاب القومية تكون ديدنه الأسمى في إثبات وجوده وفق قناعاته، والركائز الدينية والمذهبية بتنوعها تدعه ينضوي تحت سقفها مخافة أو مجاملة لأسباب في نفس يعقوب. إذن لا بأس بتلك الخيارات الإرادية واللاإرادية، طالما يثبت إلتزاماً وانتماءً أخلاقياً وخدمياً. ولكن المؤسف له أن يكون إلتزامه مرحلياً ووجيزاً شبيهاً بذاك الذي يعيره ثوباً لا يناسب حجمه، ليستبدله فيما بعد بلباس آخر، وهكذا دواليك. وبهذه التجربة يكون قد كشف عن حقيقته رغم الأعذار المستنبطة التي يعول عليها بمشيئة رغباته وتوجيهات من هم على شاكلته، متناسياً بأن قفزاته إشارة واضحة الدلالة على هروبه وتخليه عن مسؤوليته بشكل عام. عندئذ ليس من السهل إئتمان وتصديق ما يسعى إليه. وإن كان من ذوي السوابق, فحدّث ولا حرج.&
هذه الأمور والمواقف السلبية لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات، طالما ظواهر الطبيعة البشرية مهما بلغت من سمو وإرتقاء تظل في تفاوت واختلافات كبيرة كتفاوت بصمات الأصابع. ولكن أن يكون منتمياً لشريحة ما لها وقعها ورقيها ومكانتها ويعمد على استهجانها واستصغارها وتشويه ما يُشهد لها بالبنان، لا يجاري المنطق الإنساني الصريح، ولا الحقيقة التي تخدم المجتمع ككل. فما هي الخسارة، وما هي الأضرار التي تؤذيهم من الذين يعملون لخدمة الغير من خلال مؤسساتهم وأحزابهم ومراكز منتدياتهم الرسمية وغير الرسمية التي تدري بالنفع العام على أكتاف مَن هم &من المخلصين في مواقفهم. &وهم في الوقت ذاته، سارحون في غيهم تلاطفهم أحلام اليقظة اللانفعية, ليستيقظوا في كل مرة يتذكرون ما حلموا به ليقضّوا أو يرشقوا بحصاهم وأحجارهم الملونة الملوثة على من هم أكبر حجم منهم في سلوكهم وخدماتهم ومواقفهم، متناسين بأن الحياة مليئة بتلك الحصى والحجارة التي تحطم وتكسر بيوتهم الزجاجية، وربما أيضاً قد يتعثرون بها، وكما يشهد لذلك المثل القائل: " إن كان بيتك من زجاج، لا ترشق حجارتك على الناس". وصيغة الأمثال لم تصاغ وتردد على مرّ العصور إعتباطاً أو نكاية، وكما قيل: لا ترمى الحجارة إلا على الأشجار المثمرة، لا على الشجرة الخاوية من ثمرة ما.
هذه الملابسات والإشكالات انتشر عدواها وبشكل عام على مكونات الشعب العراقي قاطبة من شماله إلى جنوبه، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها أبداً طالما تتكرر يومياً لتبني الاحزاب فكرة المحاصصة الطائفية تحت ذريعة التنوع الإثني بمردود سلبي وبمتسع من الهيمنة السياسية على الوزارات الأكثر أهمية كالدفاع والخارجية والداخلية والنفط والمالية وبالأحرى الخدمية. الأدهى من كل ذلك إتساع دائرة الخلاف بأساليب لا تمت لرحمة الإنسان على الإنسان وهم من طينة واحدة في الخلق، فالمذهب الشيعي إستقل سيادته في رؤاه السلبية تجاه المذهب السني والعكس كذلك. زِد على ذلك ما شئت كما يتضح الأمر في وسائل الإعلام بنشرها ونقلها ما تقشعر له الأبدان من خطف وتعذيب وتشريد, والأمر من ذلك القتل على الهوية المتمثلة غالباً على الإسم فقط، وفي أحيان أخرى على النشأة المناطقية كالغربية والجنوبية مثلاً التي خلقت الدواعش، وما آل اليها من الفواحش. ومما لا يمكن التغاضي عن هذه الملابسات تطاول ذلك لمكونات تنتمي تحت تسميات أخرى كالآشوريين والأكراد والتركمان على سبيل المثال لا الحصر. ومن جراء ذلك انتقلت العدوى أيضاً بين تلك المكونات ومن بينها المكون الأصيل من أبناء شعبنا الآشوري الذي عانى الويلات والمذابح على مسار التاريخ إلى عصرنا الحالي، فإستدرك ما حلّ به &وأقدم على تشكيلاته الحزبية المتعددة بذات الأهداف التي ركزها وأكد لها كل تكوين حزبي وديني في دساتيره دون أن يرعى العهد لصيانة وحفظ مفهوم التقارب والتعاون في توحيد الرأي على ما يستلزمه ويستوجبه النضال السلبي والإيجابي بسياسة موحدة، لينعزل كل تكوين متشبثاً بما يخدم الطرف الفلاني أو لمكاسب المصالح الذاتية الشبيهة بالمحاصصة الإثنية والطائفية. أفليس من الواجب أن نتخذ عبرة من اولئك الذين سبقونا في تشرذمهم وقادوا الوطن إلى الهاوية المزرية ليتمثل بجهنم الأرض، وذلك بإستشهاد مئات الأبرياء من الأطفال والشباب والشيوخ الذين إقتحمهم الموت دون ذنب ودون أي سبب منطقي تسوده العقلانية. علماً بأن الموت الطبيعي والفجائي هو أثمن من الموت النفسي الحاد، مقارنة بما تلحقه الحالات النفسية والتشويهات الجسدية الآنية أو المستقبلية التي لا بلسم شاف لها. إذن، أليس من المجدي أن نتعظ من أحداث التاريخ السلبية ونتجنب عنها لكي لا يعيد التاريخ نفسه ويزيد الطين بلة من ظرف أسوأ إلى حالة الأسوأ ومن ثم الأكثر سوءاً، كما تشهد له أحداث ومعايشات اليوم في موطن الأصالة وديار الغربة القاسية بفقدان كل مهاجر ما بناه وامتلكه ليتجنب المعاناة والهلاك بإنقاذ روحه وأرواح ذريته.&
كاتب آشوري عراقي&
&