تخوض الإمارات العربية المتحدة حربا ضروسا في الخارج ضد محاولات الزحف الأجنبي الطامع ببسط هيمنته على المنطقة فيما تبذل أقصى جهودها لتحصين الجبهة الداخلية لسد الثغرات التي يمكن للعدو التسلل من خلالها لخلخة النسيج الاجتماعي الوطني، ليسهل عليه تقويض الدولة والاستيلاء عليها. وها هي تقدم الشهداء من خيرة أبنائها فداء للوطن يوما بعد يوم، وتقوم بالتوعية لسكانها كي يتنبهوا للأيدي التي تريد أن تعبث بأمنهم.&
وفي هذا السياق، صدر عن مؤسسة "وطني الإمارات" كتاب بعنوان "الهوية الوطنية المواطنة الصالحة" للكاتبة الدكتورة أمل بالهول، ربطت فيه الكاتبة بين المشاعر الوطنية لدى الفرد وبين الاستحقاقات العملية للمواطنة الصالحة، وأوضحت من خلال استخدام أسلوب الإقناع والتحليل المنطقي أن المشاعر الصادقة تفرض المواطنة الصالحة، فلا يكفي أن يحب الإنسان وطنه، بل لا بد من مساهمته في دعم مقومات هذا الوطن من خلال احترام القوانين والقيام بدوره ومسئولياته على أتم وجه. &&
انتهجت الكاتبة منهج التحليل المنطقي للربط بين المفهومين، لتوضيح أن الانتماء الحقيقي يوجب على الفرد أن يحمي من أو ما يحب، وألا يستجيب لمحاولات تفكيك عرى التماسك والتوحد بين مكونات المجتمع، وأن يسعى بكل عزمه للحفاظ على النسيج الاجتماعي من الخلل لتجنب مصائر مؤسفة ألمت ببعض الأمم وقوضت دعائم التماسك والتعاضد في مكوناتها، فهزمت وانكسرت. ومن خلال أسلوب الإقناع ومخاطبة عقول القراء، أوضحت الكاتبة كيفية ترابط الأدوار، فلا يمكن لأحد أن يتصرف بحرية غير منضبطة، فيتعدى على الصالح العام، فالنسيج الاجتماعي نسيج مترابط وإذا أصابه خلل في مكان ما، سينشأ خلل في مكان آخر تلقائيا.&
استهلت الكاتبة حديثها عن سلامة النسيج الاجتماعي بتوضيح كيفية استغلال الاختلاف الثقافي للإثراء والتآزر وليس للتنافس ومحاولة فرض الهيمنة. كما أبرزت الكاتبة أنه في عالمنا الحديث حيث قنوات التواصل مفتوحة بين الشعوب والتنقل السهل بين الدول والعيش فيها واكتساب جنسيتها، لا يمكن لأي مجتمع أن يكون ذا صبغة واحدة، بل أننا نجد دولة واحدة يعيش فيها مختلف الأعراق والأديان والمذاهب واللغات والفن واللباس وكل أشكال الثقافة، ولكن الجميع ينضوون تحت مظلة المواطنة التي تجمعهم ولا تفرق بينهم. وقد تمكنت الكاتبة من التدرج بالإقناع حتى وصلت إلى الاستنتاج النهائي وهو أن المواطنة الصالحة صمام الأمان للانتقال من التصادم إلى التعايش ومن العداء إلى التعاون ومن التفرق إلى التماسك.&
أما كيفية تحقيق هذا الهدف، فقد أسندت الكاتبة المهمة إلى الأسرة والمدرسة، فدعت إلى تحويل المبادئ إلى مناهج مدرسية تتكون من نشاطات صفية ومدرسية ووطنية، على أن تشتمل هذه المناهج على ثقافة متنوعة ومعلومات ثرية تتصل بالوطن، وأن تكون تلك النشاطات ممتعة وتجذب الطفل ولا تنفره أو تجعله يتبرم منها، واقترحت الكاتبة الكثير من هذه النشاطات المحببة للأطفال والناشئة، وأهمها الألعاب الجماعية للمتعة وبناء الجسم وتعليم التعاون والانضباط، والأناشيد المدرسية والمسرحيات والمشاريع الجماعية والمسابقات الثقافية والحرص على مشاركة جميع الطلاب.&
إن أسلوب الإقناع الذي انتهجته الكاتبة مؤثر أكثر من القوانين التي تفرض حب الوطن والإخلاص له تحت طائلة العقوبات. فحين يُغرس الحب والانتماء في النفس، يتصرف الفرد تلقائيا وبعفوية صادقة لحماية الوطن. كما أن التركيز على فئة الناشئة له ما يبرره لأن من يبث الفتن إنما يدخل من خلال الشباب المتحمس والمندفع، لذا فإن الدولة والأسرة والمدرسة مكلفة بإيلاء هذه الشريحة من المجتمع الكثير من الرعاية والاهتمام والتوجيه لتحصينها ضد تأثيرات مختلفة تعصف بهم منها العولمة والإعلام الغربي وبعض الدول التي تعبث بأمن المنطقة.&
حددت الكاتبة الثغرات التي تدخل منها المؤثرات السلبية وهي الثقافة الغربية والفتن الطائفية، وكلاهما نجحا في تفكيك بعض البلاد وفرط عرى التماسك بين أطياف المجتمع، فانزلقت تلك المجتمعات إلى منزلق الصراعات المذهبية واستقلال الأقليات عن دولها الأم. وهذان المؤثران يبدءان ببث الأفكار وجذب الشباب من خلال شعارات براقة ووعود وهمية، وإذا ما نجحتا، يعم الصراع وتدمير الإنجازات. وعندها لا ينفع الندم، وإذا كانت العولمة شر لا بد منه، فيمكن للدولة أن تقوم بنشاطات معاكسة بحيث توجه طاقات الطلاب توجيها مثمرا باعثا على التعاون بحيث لا تظل لديهم حاجات غير مشبعة فيجدونها في وسائل العولمة التي تدمر وتخلق مجتمعات استهلاكية منبهرة بالثقافة الغربية وقيمها وموسيقاها وأفلامها وملابسها ولغتها وثقافتها عموما. &
في الحقيقة أن دولة الإمارات العربية المتحدة أولت الشعب الكثير من الرعاية والدعم من خلال تلبية المطالب والمشاركة في صنع القرار والتعليم وتوطين الوظائف والابتعاث ورفع مستوى الدخل الفردي والمحاولات الحثيثة الرامية إلى التنمية ورفع مستوى الإنتاجية من حيث الكم والنوع، كي لا يركن الشباب إلى الدعة والرخاء اعتمادا على ثروة النفط والغاز، فأصبح الشباب الإماراتي نموذجا جيدا للعمل والاجتهاد والطموح وله إنجازات مبتكرة مشهود لها من القاصي قبل الداني.&
كلمة أخيرة، إن الدولة التي تعنى بشعبها حق العناية وتقدم له الكثير وتجتث الفساد وتخلق تكافؤا بالفرص، لا بد أن تجني ثمار تعبها، لأن المواطن والساكن في دولة تحترمه وتعطيه حقوقه قبل أن يطالب بها، لا بد أن يرد الجميل لهذه الدولة ويذود عنها بالمال والولد، ولا بد من بناء السدود قبل أن يصل الفيضان فيجرف الناس وزرعهم وحرثهم.&
&