&

شلالات الدم العراقي الرخيص لاتنتهي ولم تعد هناك كلمات لوصفها ، الكلمات نفدت لكن الموت لم يستنفذ بعد وسائله لحصد العراقيين بالجملة ، ولم تعد الارقام تشكل فرقا بعد 13 سنة من مجازر راح ضحيتها مئات الآلاف لكنها لم توقظ ضمائر ساسة العراق لتدارك الخراب وإيقاف نزيف الدم ، كما لم تحرك الضمير الإنساني للضغط على حكومات العالم وأممه المتحدة لإتخاذ إجراءات من شأنها حماية هذا الشعب من جماعات الموت التي أخذت تتكاثر حتى أصبح يصعب حصرها .
الولايات المتحدة هي الأخرى تنصلت من مسؤوليتها القانونية والاخلاقية تجاه العراق وشعبه وأستسلمت لمايسمى بـ(العراق الجديد ) الذي يتقاسم النفوذ والقتل فيه ، ايران وداعش ، ولسان حال الجميع يقول : لاشيء مهم فالضحايا مجرد عراقيين !!!.&
&منذ 13 عاما وأيام بغداد تكاد تكون متشابه، فشوارعها مغطاة بالدماء ومقاهيها واسواقها ومعالمها التي كانت حضارية يوما ما ، أصبحت اليوم أماكن للموت لا للترفيه ، كما ان الخبر المنقول منها هو ذاته ، سلسلة أنفجارات متزامنة تضرب العاصمة العراقية ، شعب يتعرض للإبادة ، ومسلحون وسيارات مفخخة تهاجم تجمعات المدنيين والاسواق والمناطق الشعبية ، والحصيلة عشرات القتلى ومئات الجرحى !!.
هذا كله أصبح خبرا عاديا لدى سكان المعمورة ، والعالم تعود على صورة الدماء والاشلاء المنقولة من بغداد ولايدهشه سوى ان يمر يوم من دون موت فيها ، وأعداد الضحايا مهما كان حجمها لاتشكل &سوى ارقام وخبر عابر ليس إلا.&
الكتل السياسية التي تتقاسم المقاعد الحكومية والبرلمانية ، كعادتها تحاول دائما إخفاء حصيلة الضحايا بطريقة غبية تعكس غباء وبلادة الطبقة الحاكمة &، فهي تعلن الارقام ، وتكذبها في اليوم الثاني صور النعوش ومواكب التشييع التي تكشف العدد الحقيقي
&للضحايا.
ينقل خبر الموت والفواجع في العراق وينساه العالم بعد اذاعته مباشرة ، فيما ذوي الضحايا يبقون طيلة حياتهم يتجرعون ألم ومرارة فراق أحبتهم ، لكن ما يخفف الصدمة والألم قليلا على المفجوعين بأحبتهم ، هو إن المصيبة باتت عامة فلم يبقَ بيت في العراق إلا وفقد عزيزا أو أكثر ولم تبقَ عائلة من دون إيتام وربما حتى من دون معيل والبيانات الحكومية تتحدث عن مليونين ونصف المليون يتيم ، فيما تقول منظمة اليونسيف ان&
العدد ضعف ذلك &.
آلاف الاطفال باتوا &أيتام الابوين بسبب الحروب والأنفجارات ، وغالبيتهم دخل نادي الأطفال المشردة التي تملأ شوارع بغداد وباقي مدن العراق المنكوب بساسته ورجال دينه الذين باعوا ضميرهم الى الشيطان .
كل هذه الدماء لم تدفع السياسيين الى البحث عن حل لإيقافها ، ليس من أجل مصلحة البلاد وشعبها -لاسامح الله- بل من أجل مصلحتهم ، فالوضع تجاوز كل الخطوط الحمر وأصبح الموت والفوضى يهدد الجميع ولايستثني أحدا أو مكانا امنا، ولم يعد بامكانهم الاختفاء في المنطقة الخضراء خلف الجدران الكونكريتية يمارسون لعبتهم الطائفية ويزيدون أرباحهم وثرواتهم مع ازدياد أعداد الضحايا والتفجيرات .
مصالحهم ومكتسباتهم السياسية والمادية على المحك ، لذلك على ساسة العراق ومعهم الدول الراعية لهم لاسيما ايران ان تدرك ان كل مصالحها في هذه البلاد باتت مهددة ، وربما يتعدى الخطر ذلك ليهدد &تلك الدول في عقر دارها ، فالإنفلات في هذا البلد كلما زاد حجما زادت خطورته على المنطقة وحتى العالم ، فقط تخيلوا ان بلدا مثل العراق يسقط في الفوضى بشكل كامل ، كيف سيكون وضع المنطقة ؟.
لايوجد الكثير من الوقت لتدارك حريق هذا البلد ، وأطفاءه قبل انتشاره في المنطقة ، والتحرك السريع يتطلب عدم التعويل وانتظار معالجات واشنطن ، فكما يبدو ان الادارة الاميركية &ليست على عجلة من أمرها بل ان الفوضى في العراق وانتقالها الى المنطقة تصب في &مصالحتها الإستراتيجية على المدى البعيد لاسيما في ما يخص تصفية ما تسميه مخلفات الحرب الباردة ومنها حكومات ودول المنطقة بخرائطها الحالية التي تريد واشنطن إعادة رسمها وفق التمثيل الديمغرافي لسكانها .
الأمل مازل معقودا على عقلاء وحكماء المنطقة في إيجاد صيغة تخرجها من التناحر الطائفي والتصعيد المذهبي الذي أصبح يهدد وحدة الأوطان وأمنها وأستقرارها ، لاسيما وان هذا التصعيد يلغي مبدأ الولاء للوطن و يحول ابناء الوطن الواحد الى اعداء ويجعل ولائهم للمشترك المذهبي ومن يمثله حتى وان كان من خارج الحدود.
وهنا يجب ان تنتبه الدول العربية الى ان إيران قد تكون ممثلا للمليشيات والمتطرفين الشيعة ، لكن من يمثل المتطرفين والجماعات المسلحة السنية هي داعش والقاعدة وتنظيمات تكفيرية أخرى تناصب الحكومات العربية العداء و تضع في مقدمة إجندتها &محاربة جميع هذه الحكومات ، لذلك لايحمي الدول العربية سوى نبذ الطائفية ومحاربتها واعلاء قيم المواطنة والمساواة وتعزيز الهوية الوطنية ، لأن المستفيد الأول من السعار الطائفي هي إيران التي تستخدمه في ضرب أمن الدول وأستقرارها .&
فتور حدة الطائفية في المنطقة هو كفيل بمحاصرة وإضعاف داعش والمليشيات المسلحة وتقليل خسائر المدنيين في العراق ، لكن القضاء عليهم لايمكن ان يتم إلا بإعادة رسم المسار السياسي في هذا البلد على أساس وطني يعتمد العلمانية الليبرالية ويحترم حرية الانسان وعقيدته ويكفل له حرية الاختيار .&
وهذا ما يفترض ان تعمل عليه الدول العربية وهو دعم وحدة العراق ودعم العراقيين في إيجاد حكومة وطنية عابرة للطائفية ، وان لاتحاول دعم أحد الأطراف بذريعة إيجاد توازن مع النفوذ الإيراني لانه لن يحقق التوازن مع طهران بل سيخدمها في تصعيد العنف وانحدار العراق ومعه المنطقة نحو هاوية الحروب المذهبية التي لاقاع لها.
&