من خلال المقالات التي نشرت حول الحدث و بعضها ممن يُفترض انهم يساريون نجد أن هناك من سفّه حادثة وزير الدفاع خالد العبيدي و لم يجد اي شيء ايجابي فيها انما دافع ضمنا عن النائبة عالية نصيف بذكره انها كانت تحتج على قيام العبيدي بتعيين بعثيين في حين يعلم الجميع ان الامر يدور حول اتهامات وجهتها هذه النائبة لوزير الدفاع تخص تلكؤ تنفيذ مستشفى عسكري.

ان اقحام البعثيين في الموضوع يراد منه لا شك تأليب القارئ ضد العبيدي و لصالح النائبة نصيف.

كانت النقطة الاساسية الثانية في مقال الكاتب هو ان جميع قضايا الفساد التي اثارها معروفة.

نعم انها معروفة ، و لكن مَن من غير المحميين بجنسيات دول اجنبية و المقيمين تحت حمايتها تجرأ على الكتابة عن الفساد و هو مقيم في داخل العراق او انه استخدم عضويته في البرلمان أو مركزه في السلطة من اجل فضح الفاسدين؟ المقارنة هنا مردودة فالكثير من كاتبات و كتاب الانترنت و الفيسبوك يشيرون يوميا على قضايا فساد ملموسة لم تلق اذنا صاغية، و كثير من المقيمين في الخارج كتب بشجاعة ايضا ضد الفساد و لكن شتان بين الأمرين.

يقول الكاتب مثلا ان الوزير قد اكتفى بالقسم بـ "الله العظيم" دون ان يقدم دليلا.

هذه المرة تبدو القضية تضامنا مع السارقين و ليس مع فاضحيهم لان الفيديو المسجل للاستجواب موجود على صفحات اليوتيوب و قد شاهدنا جميعا أن وزير الدفاع قد اظهر امام الملأ اضابير واضحة و قال ايضا انه قد قدم هذه الوثائق للجهات المختصة و منها هيئة النزاهة.

أن حادثة البرلمان قد تحدث مرارا و تكرارا و لكنها برمزيتها و بالظرف الذي رافقها اتخذت بعدا واسعا تمحور على:

أولا: ان الاستنكار لعمليات الفساد التي اثيرت في البرلمان انجب فعلا جنينيا عابرا للطوائف و بإمكانه أن يشكل نواة لشكل اكثر جدية من الاحتجاج.

ثانيا: ان هذا البعض مدفوعا بدوافع عديدة منها الامتيازات المالية الضخمة و الحزبية الضيفة يريد ان يحصر الاحتجاجات ضد الفساد و يجعلها تدور في حلقة مفرغة دون المساس بأركان مؤسسة المحاصصة و الفساد.

ثالثا: ان التطورات الاخيرة قد كشفت لا جدية المظاهرات التي تدور في حلقة مفرغة التي تنظمها بعض التنظيمات و الاحزاب حيث تقف على رأس الفعاليات قيادات مهمتها ضبط الايقاع لكي لا يخرج عن السيطرة فيما هي نفسها منخرطة في عمليات فساد و محاصصة بتحالفها مع الحكومة. ( ملاحظة: اكتشف التيار الصدري ان حلقة التظاهرات الرتيبة سوف تقود الى الانفضاض و هدد بالعصيان المدني).

رابعا: لا توجد في التكتيكات الثورية مظاهرات ازلية. المظاهرات ينبغي ان تكون حلقة من سلسلة فعاليات و تكون مرتبطة ببرنامج ستراتيجي يقوم على تحليل طبيعة السلطة و السلوك السياسي الملائم. لا شيء في برنامج القوى المحركة يدل على خطوات ملموسة للخروج من دائرة المحاصصة و الفساد انما العكس صحيح تكريس هذه الدائرة عن طريق نقد سطحي.

خامسا: ان القوى المحركة للمظاهرات الحالية لم تطرح برنامج نقدي للحكومة و رفضت ان تسمي نفسها احزاب معارضة حتى بالمعني السلمي للكلمة.

هذه و أخرى من الاسباب جعلت المظاهرات غير ذات جدوى و لا تجد الحكومة اي ضير من استمرارها بل ينبغي ان ترتاح لها.

الراغب في التغيير لا يهتم للدوافع التي دفعت طرفا ما لكشف الفساد، فيما اذا كان هو نفسه فاسدا ام نظيفا ، فيما اذا كانت فعلته بدافع الانتقام ام قائمة على دوافع وطنية شريفة.. الخ المهم أن يكون الحدث قد وقع و نتجت عنه ردود فعل واسعة و غاضبة.

هنا يتوقع المرء أن يصار الى احتساب الحادثة امرا مضافا لمصلحة التحشيد و لكن الحزبية الضيقة تدفع باتجاه استنزاف الحدث.

أن حادثا بسيطا و عرضيا قد يفجر صراعا و ينتج استقطابا كما حدث في قضية دريفوس و المعني بالتغيير يفترض ان يتحلى بقدر كبير من نكران الذات و الدفع باتجاه تعزيز الاتجاه و ليس تقسيمه.

لينين و مقالته : هل يجوز أن نعمل في برلمان رجعي؟

اجاب لينين على التساؤل بنعم و لكنه اشترط امرين:

أولا: ان لا يكون الشعب في حالة ثورية أي حالة احتجاج و غليان و فعلٍ ضد السلطة لان مشاركةً مثل هذه سوف تثبط من عزيمة الشعب و رغبته في التغيير.

ثانيا: ان يستخدم ممثلو الاحزاب الثورية البرلمان منبرا لفضح الاداء السيء للحكومة.

لم تجز التكتيكات اللينينية الاشتراك في الحكومة لان المسئولية تضامنية و أن وزيرا في وزارة فساد و محاصصة هو بالضرورة مشارك في الفساد و المحاصصة.

لقد رمى بعضنا لينين برمته في القمامة رغم ان ما شاخ بشكل خاص موضوعته بخصوص ديكتاتورية البروليتاريا، و لكن من جانب آخر لا تزال ان الكثير من التكتيكات صائبة ، هذا اذا لم نقل ان منجزا فكريا لا يمكن ان يزول برمته انما يعامل نقديا و ليس اجماليا.

كان برلمان ما بعد 2003 وسيلة اثراء لكل المندوبين اكثر مما كان وسيلة رقابة و هذا يشمل ممثلي اليسار و لم يتم تحويله كما يفترض الى منبر لاحراج الحكومة عن طريق تشريعات تدافع عن مصالح الناخبين. لكن هذا الامر لم يجر، حتى ان منجزات عبد الكريم قاسم تم الاجهاز عليها عمليا دون اي احتجاج. و قد عارض هؤلاء كل المطالبات الشعبية بالغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين. ان الفساد لا يكون فقط بسرقة اموال الدولة عن طريق الاختلاس انما بالقبول برواتب تفوق مثيلاتها في دول العام بمرات و مرات احتكاما الى مجمل الدخل القومي.

في حادثة العبيدي اتيحت فرصة علنية و امام الجمهور لفضح الفساد و احدثت حالة غير مسبوقة من الاستقطاب و الوحدة العابرة للطوائف. هذا مفزع للبعض ، فهل نفوت الفرصة بحجج لا تمس جوهر الموضوع ام نطرق على الحديد و هو ساخن نحرك الجماهير باتجاه الفعل المتصاعد و ليس الدوران في حلقة مفرغة؟