كعادته في كل خطاباته، وجه الشيخ حسن نصر الله في الذكرى العاشرة لحرب تموز عدة رسائل، منها ما يخص الوضع اللبناني، ومنها ما يتصل بالشأن الإقليمي، وهي الأكثر أهمية، وفيها توجه إلى مقاتلي داعش وجبهة النصرة، وكل الجماعات "التكفيرية" التي تقاتل في سورية والعراق، إلى وقف الفتنة وقتل إخوانهم، ملمحاً إلى إمكان المصالحة والتسوية معهم، باعتبار أنهم يقاتلون لمصلحة أميركا، وأنه تم استغلالهم خلال خمس سنوات لتهديد محور المقاومة وشعوب المنطقة، لتقوم أنظمة عميلة خانعة للأميركي والإسرائيلي. وفي جملة اعتبرها الكثيرون اعترافاً غير متوقع منه بأن هؤلاء مسلمون، خاطبهم بقوله "إذا كنتم من الإسلام ومن محبي النبي، ألقوا السلاح" وشدد أنه يتكلم عن مصالحات وتسويات تتم لاحقاً، وبدا مثيراً للاستغراب تجاهله المعارك الدائرة في حلب، والتي تكبد فيها حزبه خسائر من مقاتليه في مواجهة فصائل المعارضة، وفيما تجاهل أوضاع البحرين ولم يتهجم على تركيا فإنه لم يأتِ على ذكر حرب اليمن إلا لماماً، على غير عادة خطاباته في الأشهر الأخيرة.

لم يكتفي زعيم حزب الله بدعوته الدواعش للصلح، فدعا العلماء وكل من يستطيع القيام باتصال للقيام بكل جهد،للتوسط مع التنظيمين الذين كانا حتى ما قبل معركة حلب تكفيريين، ثم وبعدها تحولا إلى تنظيمين مسلمين، بصفتهما مستغلين من قبل واشنطن، وليس بصفتهما قتلة ومجرمين وتكفيريين، كما اعتاد تسميتهما، ولعل في ذلك دليل على حجم تورط حزبه في سوريا، وثقل ذلك على مجتمعه، وربما على داعميه في طهران، ورغم أنه كان أكد أن معركة حلب ستكلل بالانتصار على التنظيمين وحلفائهما، وستغير المعادلة الإقليمية، فإن الشهباء ومعاركها غابت عن خطابه، لتكشف كم أن الحزب الأصولي، لم يعد يملك ترف الزعم بأنّه يرسم خارطة المنطقة الإقليمية بقوته، وأنه اليوم لم يعد أكثر من جندي في الفيلق الروسي، ملتزم بحسابات السياسة الروسية، حتى وهو يدرك أن موسكو قدمت ضمانات لإسرائيل بعدم المسّ بمصالحها الستراتيجية في سوريا.

والسؤال هل كانت دعوة نصرالله للتنظيمين التكفيريين، لأنّه أدرك أن التحولات الإقليمية وأبرزها المصالحة الروسية التركية، وما رافقها من تقارب بين طهران وأنقره، وأنّ التسوية التي يعمل لها كل هؤلاء للخروج من المستنقع، لن تكون لصالح حليفه الدمشقي، فبدأ ولو متأخراً ومكابراً في البحث عن وسيلة للحدّ من الخسائر، وهل يمكن القول إن تلميحات الشيخ إلى المصالحات والتسويات ووأد الفتنة، هي انقلاب على كل ما كان روج له عن المشاركة في الحرب السورية، فعاد ليناشد "تكفيريي" داعش والنصرة بأنه إذا كان عندهم، شيء من الإسلام، والحب للنبي، والعلاقة بالقرآن، بوقف القتال والقاء السلاح، وهل يمكنه تصور أن بعض السوريين المتأثرين بتدخل حزبه المذهبي، سينسون له هذا "الفضل" الذي أطال أمد الحرب، وسفك الكثير من الدماء وعمّق الشرخ، سيكتفون بهذه الدعوة ويقبلونها بغير اعتذار واضح وصريح بأنه أخطأ الحساب، وأنه بغير ذلك سيستمر العداء ويتعمق لغير صالحه، أو صالح السوريين واللبنانيين، إن كان معنياً حقاً بمصلحتهم.

ثم يأتي الموقف من تركيا، التي اعتاد الشيخ مهاجمتها واتهامها بأنها دولة راعية للإرهاب، فبعد لقاء وزيري خارجية إيران وتركيا الدافئ، كان لزاماً عليه التزام الصمت، والكف عن انتقاد تركيا أوذكرها بأي شيء سلبي، وربما نسمع منه قريباً مديحاً للسلطان أردوغان، إن باتت الأمور سمناً على عسل مع الولي الفقيه، ومن ناحية أخرى ولعلم الشيخ فإن أميركا لم تسكت أو تغمض عينيها عن آلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر، التي دخلت إلى العراق وسوريا، لاستهداف حزب الله بالتحديد لأنه رأس الحربة في الميدان، فالمهمة أكبر والمخطط أوسع من أن تتوقف تفاعلاته عند ضاحية بيروت الجنوبية، ولكنه وللإنصاف كان محقاً بقوله إن اسرائيل وأميركا لا تستطيعان القيام بمواجهة على مستوى المنطقة، وأنه تبعاً لذلك اندلعت الحرب بالوكالة، التي حولت هموم الناس للأمن، تاركين فلسطين والإصلاح لظروف غير هذه، وهنا يبرز السؤال، من يخوض حروب الوكالة في المنطقة؟ وهل يمكن التغاضي عن كون حزب الله يخوضها بضراوة؟ تحت أعذار قابلة للتبديل حسب كل مرحلة من مراحلها.

لا نناكف ولكننا نتحدث عن تحولات برزت في خطاب حزب الله على لسان أمينه العام، وكنا نأمل أن تكون لصالح المنطقة، بناء على قناعة جذرية وليست مجرد تجاوب أو رضوخ لمستجدات لم تكن واردة في حساباته.