عندما عرض رياض حجاب المنسق العام للهيئة العليا لقوي الثورة والمعارضة السورية رؤيتها لحل الازمة السورية في اطارها السياسي، كان الحاضرون بمقر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بوسط لندن من سياسيون ونشطاء ودبلوماسيون ومراقبون وإعلاميين، علي علم تام بحقيقة الأوضاع فوق الأرض بعد إنقضاء حوالي خمس سنوات ونصف من عمر الصراع الذي يكاد يمزق الوطن السوري إلي شظايا.

وأيضا. كانت كل من موسكو وواشنطن علي معرفة متعقمة بحقائقه وهما تعلنان صباح السبت 10 الجاري " اتفاق وقف اطلاق النار في جميع انحاء سورية " اعتباراً من يوم الأثنين التالي لتحسين ظروف إيصال المساعدات الانسانية " والإستهداف المشترك – الروسي الأمريكيى - للجماعات الإسلامية المتشددة ".

وبالرغم مما طرحته الهئية العليا وما اعلنته القوي الدولية، ليس هناك ما يُبشر بقرب إنتهاء الإقتتال أو الحد من وتيرة المتسارعة ولو بشكل تدريجي. بالعكس، يمكن القول أن الأفق ممتلئ بكل ما هو قابل للإنفجار علي إمتداد الساعة.

مواقف القوي الاقليمية والدولية تزداد تشدداً.

قوات أجنبية تزاد أعدادها بإستمرار، سواء كانت خاصة أومرتزقة.

خبراء وإخصائيون من كافة البقاع يقدمون استشاراتهم للمجموعات المتحاربة التحررية والجهادية والإسلامية والمنشقة والمتحالفه. الخ.

يحق لنا القول. أن أرض الوطن السوري تحولت إلي مسرح للحرب بين أكثر من معسكر. سني وشيعي، عربي وغربي، دولي واقليمي، تنظيم يرفع راية الخلافة وتنظيمات تطلق علي كاوادره النار باعبتارهم مارقين، أقليات تعمل علي إزكاء النيران لتحقيق مصلحة ضيقة، وحكومات تحاربها تحت ستار أنها تحارب قوي العنف والإرهاب ممثلة في تنظيم داعش، أحرار يحاربون الطغمة الحاكمة سعياً وراء إستقلال وطنهم وتحريره من العبودية، ومستغلون لهذه الاجواء عن طريق القدرة علي تحويل ولآءاتهم من الطائفي إلي الأيديولوجي وبالعكس.

وهناك بالطبع قطاع عريض من المواطنين السوريين الذين يرفضون المزايدة علي وطنهم ولا يزالون بعد مرور أكثر من خمس سنوات متمسكين بإستقلال إرادتهم، فلآ إلي هؤلاء يميلون ولا إلي هؤلاء ينتسبون.

خطة وقف اطلاق النار المرتكزة علي بيان مؤتمر جنيف 2012 الذى وافقت عليه العاصمتان – واشنطن وموسكو - الأكثر تفعيلاً للعمل العسكري والجهد السياسي فوق الأرض السورية، تُعد من الناحية النظرية " إطار عام لمبادرة غير مكتملة الأركان.

باختصار:

هناك دولة لا زالت قائمة، ولكنها تعاني من كافة المشاكل المادية والمعنوية التى جربتها من قبل الدول التى نشب الإقتتال فوق أرضها واستمر فترات طويلة، هي دولة واهنة بكل المقاييس ولكنها تملك مقومات التفاوض والتحالف.

والسؤال. هل هذه الدولة أو شبه الدولة كما يحلو للبعض أن ينعتها، يمكن الحفاظ عليها – بحالتها الراهنة - بحيث يتم نقل مسئولياتها – إن صدقت النوايا - إلي حكومة ديموقرطية انتقالية جديدة بعد عامين من الآن؟

الهيئة العليا للمفاوضات. لا تملك حق تمثيل كافة القوي التى تعادي النظام وتحاربه، وما تعتبره تحت يدها وتفاوض بأوراقه قد لا يبقي في حوزتها طويلا. والجيش الحر يكاد ينقسم علي نفسه دون ان تكون لديه رؤية واضحة لمساري القتال والتفاوض.

الميليشات التي تصف نفسها بالمستقلة، هي في حقيقة الامر تابعة لقوي اقليمية، تقوم بتنفيذ ما يُملي عليها وفق اجندة هذه القوي ومصالحها وتحالفاتها. لن تتمتع بهذه الوضعية لفترة طويلة قادمة لأن استمرار الحرب سيقلص من إمكانيات الداعمين لها!! وتوقفها – أي الحرب - سيضعها إمام خيارين.

إما الدخول تحت عباءة ما بقي من قوات داعشية خاصة في العراق.

وإما الفرار عبر الحدود السورية إلي دول الجوار بما فيها تركيا.

القوي المعادية للنظام سواء المنضوية تحت راية الغرب او القوي الأقليمية، ليست علي رأي واحد فيما يتعلق بمستقبل الرئيس السوري و" زمرته " كما وصفهم المنسق العام للهيئة العليا. بعض اجنحتهم تخطط للخلاص منهم بالطرد او بالمحاكمة او التصفية!! واجنحة أخري وضعت معايير لفرز من ستُبقي عليه ومن ستحيله إلي التقاعد سواء كانوا من الحزبيين او السياسيين او العسكريين أو غيرهم!! وجناح ثالث مصمم علي تفكيك كافة مؤسسات الدولة " لأنها كانت تحارب المعارضة وتناصر النظام الذي قتل وشرد وهجر الشعب السوري ".

لا تعلقوا الأمال علي الهدنة

كان هذا هو عنوان مقال تحليلي بصحيفة الفينانشيال تايمز اللندينة صباح 14 الجاري. قال فيه الكاتب ريشتارد هاس أن روسيا راغبة في الهدنة " حتى تتمكن دمشق من الكشف عن قدراتها علي التفاوض وترسيخ السلام " أما إدارة أوباما فتريد ان تُسلم الملف السوري إلي الرئيس المناخب ملفوفا بشريط " أقل دموية ". وكلاهما يريد أن ينسق بهدوء للمشاركة في عمليات عسكرية مشتركة ضد من بقي من قوات داعيشة داخل سورية علي أمل أن يتمكنا أكثر وأكثر من الحد من قوتها الهجومية و يقلصا من مساحة الأرض التى لازالت تحتلها.

اللآعبون الآخرون في الساحة سواء كانوا قوي أقليمية او جماعات مسلحة، لا يثقون في ذمة النظام السوري ولن يسمحوا له أن " يلون وجهه بلون السلام " ولذلك من المتوقع ان يعاودوا عملياتهم العسكرية ضد قواته النظامية وضد المختلفين معهم في التوجه القومي والأيديولوجي في أقرب وقت بهدف الإستحواذ علي مساحة أكبر من الأراضي من ناحية، وللدفع نحو إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري وفق المواصفات التركية من ناحية أخري.

النظام السوري برغم ما يبديه من تفهم لمتطلبات وقف العمليات العسكرية وإستعداد للتفاوض، أعلن أنه لن يقف صامتاً إذا ما خرق أي طرف الهدنة الحالية. وسوف يشارك في العمليات العسكرية التى ستُشن ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة فور الإنتهاء من تريباتها بين موسكو وواشنطن.

مر اليوم الثالث بسلام، وهذا يعني أن التفاؤل في إمكانية دخول قوافل المساعدات الإنسانية إلي المناطق المحاصرة السورية " بشكل فوري وآمن " زادت معدلاته وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254 لأن كل الأطراف تؤكد تأييدها لهذا المطلب.

القطبان الكبيران يريان أن صمود الهدنة لفترة تالية وتوالي وصول المساعدات إلي المحتاجين لها " سيعطي جرعة سياسية " تركز علي ضرورة إنجاح التجربة بحيث تكون " الأولوية لتهيئة الظروف لإطلاق عملية سياسية ذات مصداقة وشفافية تؤدي إلي الترتيب لمرحلة إنتقالية جديدة في سوريا من دون الرئيس بشار الأسد ".

هنا يقع مركز التجاذب والتنافر بين الجميع دون إستثناء. لماذا؟

لأن القوي المعادية للنظام السوري ليست كلها مشاركة في المرحلة الإنتقالية.

ولأن الموافقون علي إطار تلك المرحة ليسوا متفاهون بنفس القدر لطبيعتها.

ولأن النظم والمتحالفون معه لا زالوا متمسكون بأن يكون للرئيس دور في المرحلة التالية.

ولان كل من بيده قطعة سلاح يزعم انه قادر علي توسيع مناطق نفوذه بالتخلص من الآخر.

&

[email protected]