الحقّ أن الإستقرار الإجتماعي هو الثروة الأكبر لأي مجتمع في العالم، فماذا تنفع الثروات الطبيعيّة كالنفط والمناجم، وماذا تنفع المصانع والمتاجر في بلد تعصف فيه القلاقل؟. &

وهكذا فالتعدّديّة الثقافيّة بما هي اعتراف بالآخر المختلف ديناً أو جنساً وتحقّق المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات هي ذات قلب الإستقرار الإجتماعي، هي اللحمة بين أبناء الوطن الواحد، هي استشعار الجميع بالأمان في الواقع والمستقبل.. فينطلقون إلى أعمالهم ويجتهدون. &

وعنوان أستراليا هو التعدّديّة الثقافيّة الجليّة الثمار الطيّبة فعلاً لا قولاً وتطبيقاً لا شعاراً، وعلى أساس من هذا الواقع الحي يفتخر المواطن الأسترالي بوطنه أستراليا. وأبناء الجالية العربيّة في أستراليّا هم في الإفتخار ذاته كمواطنين أيضاً، ويهتمّون بالشؤون الأستراليّة على الصعد كافّة: الإجتماعيّة والإقتصاديّة والسياسيّة، وليس أدلّ على هذا الأمر من اندفاعهم المبارك لخوض الإنتخابات البلديّة والنيابيّة، ويحقّقون نجاحات كمستقلّين أو كأعضاء في الأحزاب الكبيرة وخصوصاً في حزبي العمّال والأحرار. &

ولا يلام اللبنانيّون والشرق أوسطيّون والعرب عموماً من حديثي الهجرة إذا التفتوا كثيراً إلى شؤون وشجون أوطانهم الأم التي لهم فيها أهل وأحبّة وأصدقاء وبيوت وذكريات، وقد لعبت الفضائيّات ووسائل التواصل الإجتماعي دوراً مهمّاً في هذا الإلتفات الكثير، وأقول الكثير لا الكلّي، فهم يلتفتون أيضاً إلى واقع بلدهم الجديد، ويتعلّمون لغته وقوانينه&وتاريخه ويشجّعون أبناءهم على طلب العلم والعمل فيكونون من ضمن مستقبل أستراليا، والذين منهم لا يحسنون الإنكليزيّة لا يفوّتون قراءة زوايا الشؤون الأستراليّة في الصحف العربيّة الصادرة في سيدني تحديداً.. بما هي الصحف الأكبر والأكثر احترافاً وانتشاراً. &

وإذا في كلّ مجتمع مثالب.. فأستراليا وإن هي متعدّدة الثقافات ليست بمنأى عن هذه المثالب المتمثّلة محليّاً ببعض المنظّمات العنصريّة، وأكبرها حزب أمّة واحدة بقيادة بولين هانسون التي تعتاش على التخويف والنزعات الشوفينيّة المتعالية. وحقّاً ازدادت شعبيّة بولين هانسون إنّما ليس بالمقدار الذي يثير أي قلق قريب، فالشعب الأسترالي يتحلّى بالوعي، وينفتح على بعضه من منطلق أن الناس بحاجة لبعضهم وليسوا بحاجة لأن يكرهوا بعضهم، ويعرفون أن "الهانسونيّة" تستفيد من بؤس بعض الناس اقتصاديّاً بسبب من التقدّم الرأسمالي الشرس في عموم الولايات الأستراليّة.. وتراخي حزب العمّال وكذلك حزب الأحرار على هذا الصعيد. &

ومهما يكن فإن جميع الجاليات الإثنيّة متضرّرة من الأجواء التي تشيّعها الهانسونيّة، ولذلك هي متكاتفة مع المجتمع الأسترالي الأوسع في الحكمة والرأي السديد والعمل النافع واستنكار التخلّف والهمجيّة والعنصريّة. &

أستراليا متعدّدة الثقافات، وقلبها واحد، وعقلها واحد، ومستقبلها واحد، والثقة عالية أنّها ستظلّ كذلك ولو كره "سقْطُ المتاع".. والبشعون.&

[email protected]