التراث الديني مليء بالمواقف والأقوال التي فُهمت على غير مرادها أو لم تُفسَّر بصورة كاملة لأسباب متعدِّدة مقصودة أو غير مقصودة، فما حدث في التاريخ الإسلامي في عصر النبوة وما بعده من ممارسات دينية سياسية من قِبل الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة رضوان الله عليهم(كإقامة حد الردة، أو منع بناء دور عبادة للأديان الأخرى، أو منع بيع المشروبات الروحية أو إكراه الناس على الإسلام أو دفع الجزية...إلخ)، يُعد فترة وحالة استثنائية، حيث كان العرب حديثو عهد بالإسلام والمدنية، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحاكم الديني والمدني معاً، وقد استقام للعرب الحال وتنظَّمت أمورهم وتدبَّرت شؤونهم على أحسن تدبير، ليس لأن الحُكم كان دينياً خالصاً، وإنما يعود ذلك لسببين؛ الأول: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مسنوداً ومؤيَّداً من الله، حتَّى على مستوى الحماية الشخصية كانت الملائكة وعلى رأسهم جبريل يحمونه ويحرسونه بأمر الله، الثاني: لأن الفقراء وأراذل القوم(الطبقة الكادحة) وجدوا في هذا الرسول ما كانوا يفتقدون إليه من رحمة وعدل ومساواة.
وهناك موقف نبوي أجزم أن الكثير لم يلتفت أو ينتبه له جيِّداً أو ربَّما أدرك العلماء والمختصون في علم الشريعة هذا الحديث وفهموه على مراده ولكنهم تجاهلوا الأبعاد الدنيوية التي يشير اليها الحديث.
فعندما نتأمَّل في قوله عليه السلام للصحابة الذين أرادوا تقليده في وصاله للصوم: (إني لستُ مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني).
يُستفاد من هذا؛ أن نهيه عليه السلام للصحابة عن تقليده في أمور دينية، يقودنا من باب أولى إلى عدم تقليده في حُكمه الديني السياسي(تنويه: بالنسبة له عليه الصلاة والسلام لا يُعتبر عهده فترة حكم ديني سياسي، وإنما هو رسول ونبيٌّ كريم أُرسِل رحمةً للعالمين كما وصفه الله في كتابه العظيم).
ومن رحمة الله بالأمَّة العربية والإسلامية في عصرنا هذا أن قيَّض الله لها من يعيد لها دينها الحقيقي، فيعود المسلمون إلى ما كانوا عليه من تديُّنٍ فطري لا يورث إلا كل خيرٍ للإنسان والأرض، حيث كان مجيء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بمثابة المخلِّص الذي ينتظره الوطن العربي والأمة الإسلامية، والذي سيذكره التاريخ ويحمد له المسلمون في جميع أصقاع الأرض إنقاذه للإسلام الذي سُرِق وشُوِّه من جماعات وأحزاب لا تعرف للدين قداسةً واحتراماً، عقول مُتحجِّرة لا ينفع معها إلا لغة الحزم والشدة:
"لن نُضيع ثلاثين سنةً من حياتنا في التعامل مع الأفكار المتطرِّفة، سندمِّرهم اليوم وفوراً...سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم"
محمد بن سلمان.
إن العودة إلى الإسلام الوسطي المعتدل والذي بشَّر الأمير محمد بن سلمان بالعودة إليه، تستلزم مراجعة المناهج الدينية والأخذ من التراث الديني كل ما يُدعِّم ويبني الإنسان ويجعل منه إنساناً مُدرِكاً لقيمته ومُتقبِّلاً للآخرين بمختلف مشاربهم، وأن يُغرَس في نفوس الأجيال في مراحل التعليم المختلفة المبادئ التالية:
1.أن الدين أتى لمصلحة الإنسان لإشباع الروح والتي هي ركن أساسي وضروري من أركان الإنسان(الجسد، النفس، الروح) ليستطيع العيش في سلام مع ذاته.
2.أن أي نصوص دينية تُحرِّض على القتل والعنف ونبذ الآخرين يستحيل أن تكون من الله، بل هي مِمَّن ينطقون باِسم الله ويريدون من خلال ذلك الحكم باِسم الله.
3.لم يأتي الدين ليكون نظاماً حاكماً سياسياً كاملاً وشاملاً، ولو كان كذلك لأنزله الله على ملك من ملوك الدنيا أو بشر ليس له منزلة مُعيَّنة، لكنه أنزله على الأنبياء عليهم السلام واصطفاهم بتلك المهمة الروحية ونشر مبادئ الأخلاق والقيم النبيلة.
4.ترسيخ قيمة الإنسان وأن أعظم رابطة بين البشر هي رابطة الإنسانية، وأن يُستَدل على ذلك بجملة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تُعزِّز ذلك وتؤكد عليه، كموقف الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وقف لجنازة أحد اليهود فتعجَّب الصحابة من فعله عليه السلام تجاه هذا اليهودي، فقال عليه السلام(أليست نفساً).
5.الدين لا يجب أن يكون بحرفيَّته دستوراً، لأنه وفقاً لذلك سيتحوَّل من دين إلى سياسة، وإضفاء الدين على السياسة لا يضر السياسة بقدر ما يضر الدين ويُسيء إليه، فيكون حينئذ دين مُسيَّس(ولاية الفقيه في إيران، وحزب الإخوان في مصر وتركيا وقطر، وجماعة الصحوة في السعودية) أمثلة واضحة على ذلك، فعندما يكون الدين ممارسة سياسية تطبيقية، فإن هذا يؤدي إلى رفض الحداثة والاصطدام مع العالم، لذا فإنه يجب أن يكون الدين ناحية وجدانية روحية تخص كل إنسان وهويِّة ثقافية تخص كل مجتمع.
(تنويه: لا مشاحة في الإصطلاح، تلك الأفكار يمكن اعتبارها بأنها تُمثِّل: الإسلام الوسطي المعتدل أو الليبرالية، فالمُسمَّى ليس ذا قيمة طالما أن النتائج والهدف واحد).