بطبيعة حال المجتمع السياسي&الكُردي والعراقي عموماً، لا تلتزم الأحزاب&والتيارات السياسية عندنا&–&إلا نادراً-&بالتوقيتات التي توضع لإعادة تنظيم الحزب&وتجديده من كافة النواحي،&لاسيما&من خلال تلك&المناسبة الحزبية&التقليدية،&التي يطلق عليها&المؤتمر&الحزبي&Party Congress.

&والمؤتمر،&كما هو معلوم و وارد في القواميس السياسية،&هو عبارة&عن&مناسبة حزبية عامة ودورية تُعقد كل ثلاث أو اربع سنوات لتجديد الحزب، كما انه&"اجتماع عام لحزب&سياسي يحضره نواب يمثلون أعضاءه،&وهو في معظم الأحزاب أعلى هيئة للتقرير وتهتم باختيار قادة الحزب وتخطيط سياسته ووضع&منبره&وأجندته".

ولهذه الإشكالية&الحزبية&في العراق&أسباب وأسباب!، ربما ابرزها&يتمثل في&إنعدام&تقاليد&سياسية حداثية تُلزم الفاعلين السياسيين ببعض&المباديء&والقواعد،&التي تُكَفل إستقرار&الحزب السياسي وتطوره، وتوَزّع له مجدداً الأدوار الحزبية الجديدة&وفقاً لمقتضيات المراحل السياسية وتحدياتها&التي يمر بها الحزب وقياداته وأعضائه داخل المجتمع الناشط فيه.

& وربما أهم هذه المباديء الكفيلة اليوم،&بل&ومنذ زمن بعيد، هو ليس سوى الرضوخ لمبدأ التداول السلمي للسطة في الحزب والإلتزام بالتغيير الديمقراطي لقادته،&فضلاً&عن&تجديد مؤسسات الحزب&ونظامه الداخلي وبرنامجه عن طريق&تقديم تقارير&شاملة ومفصلة&في المؤتمرات الحزبية&وفتح دائرة النقاش والحوارات المفتوحة والمنهجية، التي&تقوم على الحِجج العقلانية والمُقنِعة&والمحسومة&عبر آلية التصويت الديمقراطي لأعضاء المؤتمر حول كافة القضايا الحزبية والملفات المطروحة، وعلى ضوء المستجدات الداخلية والخارجية للبلد وتطلعات الحزب السياسية&ايضاً.

&وهناك اسباب أخرى لهذه الظاهرة،&قد&يتعلق&بعض منها بآيديولوجية الأحزاب&والمنظمات السياسية&في العراق واقليم&كُردستان،&إذ&يلاحظ المرء&في هذا المضمار&ان معظم الآيديولوجيات&المطروحة في البلاد،&منذ ستينات القرن الماضي الى يومنا هذا،&غير آبهة&أساساً بالثقافة الديمقراطية&ومتطلباتها!، والأسوأ&هو وصول الأمر، مع بعض منها،&الى&إعتبار هذه الأخيرة&لا شيءَ&سوى&بدعة سياسية غربية&تستهدف العقائد السياسية الراسخة والمُعبرة عن الواقع السوسيولوجي للمجتمعات التي تنشط فيها!، ولامراء من ان&الأفكار والتصورات&الإشتراكية والقومية والإسلامية&إزاء إلإنسان والمجتمع والعالم،&والتي تشكل الثقافة السياسية الطاغية لدى&أجيال وأجيال،&هي التي تتصدراليوم&واجهة الأيديولوجيات&السياسية السائدة&في العراق وأقليمه&كُردستان، وهذا يعني&بجملة، انه ليس لأحزابنا،&في نهاية الأمر،خلفية فكرية ديمقراطية رصينة&تقدم لها حلولاً ناجعة&وموضوعية للإشكاليات والأزمات الحزبية المتراكمة&وعلى رأسها&غياب الإلتزام بالتوقيتات الموضوعة لإنعقاد المؤتمرات&الحزبية.&

&وربما من&بين&الأحزاب الأكثر تأثراً اليوم بهذه الآفة السياسية والأكثر تأزماً بفعلها، هو حزب الزعيم والرئيس العراقي الراحل جلال طالباني (1933-2017م)، أي "الإتحاد الوطني&الكُردستاني" الذي يعد ثاني أكبر حزب كردي في العراق وكُردستان&والذي تأسس عام(1975م) على يد مجموعة من كبار السياسيين&التقدميين&والمثقفين&الكُرد&ويمثل أحد الأطراف الرئيسة في المعادلة السياسية العراقية والكُردستانية.

فهذا الحزب وخاصة بعد&غياب&الرئيس (جلال طالباني)&ثم رحيله، صار&يعاني منذ&سنوات&وبشدة من فراغ حقيقي تركه&رحيل&زعيم الحزب&من ورائه&دون أي يُعالج حتى اليوم، ورغم حضور نائب الأمين العام للحزب، السيد"&كوسرت رسول علي "ونظيره&الحزبي&"د.برهم احمد صالح" رئيس جمهورية العراق الحالي،&وإدارتهما&الحَذِرة والمسؤولة&للحزب في&غياب الزعيم وفي ظل&تشرذم الحزب&الى اقطاب وفئات غير متماسكة، إلا ان أمر الفراغ هذا لم يُحسم بعد، بل انه&بحاجة الى مساعٍ أكثر&وتحركات متواصلة، ولسوء حظ الحزب ليس&ثمة شيئاً حقيقياً&يُراهَن عليه الآن&للخروج من&النفق&الضيق&الذي يعيشه&فيه&هذا الحزب&بعد رحيل&زعيمه&المؤثر والملهم "Charismatic"&سوى إنعقاد مؤتمره الرابع،&الذي تأخر&أجل&إنعقاده لأكثر من سبع سنوات، الأمر الذي فاقم&من&حدة التوترات الداخلية للحزب وإنقساماته&شيئاً فشيئاً لحد تهديد كيان هذا الأخير&أحياناً&كطرف فاعل على الساحة السياسية في البلاد&وإزاء بعض الملفات والقضايا السياسية الشائكة والمصيرية.&

ورغم ان المراهنة على المؤتمر الحزبي، كعامل حاسم لأزمات الحزب وإنقاذه&وعصا سحرية،&يبدو&أمراً مبالغاً فيه&وغير واقعي نظراً لتراكم الظواهر الحزبية الخاطئة&وخرق النظام الداخلي وبرنامج الحزب&وسياساته&وإنعدام&ثالوث&المراقبة والعقوبة والمكافئة من قبل المؤسسات والقادة، إلا أنها&تُمثل&في ذات الوقت&الطريق القويم أيضاً بإتجاه إعادة تنظيم الحزب&تدريجياً وتغييره،&حتى ولو كان جزئياً،&لتعود اليه العافية&فيما بعد&ويلعب دوره السياسي.&

&&وربما إرتفاع الأصوات الداعية&اليوم&الى إنعقاد مؤتمر&هذا&الحزب،&ينطلق أساساً من الخشية من خسارة الحزب لموقعه الحالي، كثاني حزب كردي في العراق،&لاسيما&في الإنتخابات المقبلة&الخاصة بالمحافظات العراقية التي ستجري في ابريل/نيسان القادم (2020م)، وكذلك الخوف&من تجدد تبادل الإتهاماتأيضاً&بين الإعضاء في القيادة&إذا&ما&كانت النتائج غير سارة وتؤدي الى&المزيد من التمزق والتشتت، لاسيما بعد أن فقد&حزب الطالباني&منذ عام(2013م)&عددا كبيراً من مقاعده&البرلمانية&التي كانت&نظيرة&أو قريبة من مقاعد خصمه اللدود،&حزب البارزاني، الديمقراطي&الكُردستاني.

&في كل الأحوال،&يمكن القول هنا&وبإختصار،&انه&ليس&أمام حزب الطالباني، وهو حزب يساري ديمقراطي ومنتمي لأسرة الإشتراكية الدولية (IS)،&خيارات أخرى&بديلة&سوى إنعقاد مؤتمره الرابع، وربما&الأمر مشروطاً، قبل أي شيء،&بضرورة التوصل مسبقاً الى&تفاهمات داخلية&تتوخى تجنيب&الحزب من أي إنشقاقات جديدة&هو بغنى عنها.

&&ولابد&أن يشمل مفهوم&"التفاهم الداخلي"&أمرين في غاية الأهمية للحزب وربما للمجتمع&الكُردي أيضاً، الأول هو الإتفاق على مبدأ التغيير وإعادة الإعتبار الى الإختيار الديمقراطي في إعادة تنظيم الحزب وتجديده&لكي يمثل أفضل تمثيل لتطلعات الشعب&الكُردي والعراقي أيضاً، والثاني هو الإتفاق على عدم إقصاء أي فئة داخل الحزب عن طريق الطاعة العمياء لكل ما تمليه التكتلات الحزبية&المصالحية الضيقة&في المؤتمر. صحيح إن ظاهرة التكتل، أو الإستقطاب،&هي، بشكل أو بآخر،&ظاهرة&قائمة في كل حزب، ولكنها لاتتعدى&مبدئياً&بعدها الفكري&ولن تكون&علىحساب&تشتيت الحزب&وتقسيمه، لاسيما&ان&المجتمع&الكُردي والعراقي عموماً يُعانيان&منذ سنوات من&الإنقسامات السياسية في صفوف الأحزاب&وإنشقاقاتها&وبالتالي&التعددية المُفرطة الناتجة عنها&دون ان&يكون لأي منها&جدوى&ما&لا&للبلاد ولا للعبادعلى حد سواء.

*كاتب واكاديمي من&كُردستان&العراق