تمثل وضعية الكرد بتركيا أحد مواطن الالم فى جسد الأمة الكردية، وفى التاريخ والحاضر الكردى بشكل عام نظرا للسياسات التى اعتمدتها أنقرة فى التعامل مع مواطنيها الأكراد، وعدم الاعتراف بأى حقوق كردية فى القانون التركي بل وتجريم الحديث باللغة الكردية، او ترديد الاغاني، وحتى الاسماء.

ومما يزيد الشعور بالوجع أن نسبة الكرد بتركيا تمثل الأكبر فى العالم حيث يقطن بها ٩٤% من إجمالي أكراد العالم بما يمثل قرابة 25%من سكان تركيا وهى نسبة كبيرة إذا ما قورنت بدول مثل سوريا والعراق ولكن رغم قوتها العددية فشلت فى تحقيق طموحات واحلام الشعب الكردى بتركيا، على النقيض من إقليم كردستان الذى حقق حكم ذاتي وأصبح لديه رئيس وبرلمان وحكومة مستقلة.

هذه النجاحات التى حققها إقليم كردستان جعلت منه بمثابة الكيان الحلم الذى تطمح تجمعات الكرد حول العالم فى نقل تجربته واستنساخها،خاصة فى ظل تمتع الإقليم بعلاقات قوية وانتهاجه دبلوماسية ناعمة مع دول الجوار التى يمثل الكرد جزءا كبيرا من مكوناتها العرقية.

مكتسبات ومنجزات إقليم كردستان عززتها سياسة حكيمة انتهجها رئيس الإقليم السيد نيجرفان بارزاني حيث استطاع خلا فترة قيادته لحكومة الإقليم ثم رئاسته للاقليم أن يجعل من كردستان حالة خاصة مميزة بذاتها ليس عن العراق فحسب بل عن عموم الشرق الأوسط.

واستطاع نيجرفان من خلال سياسة خارجية متزنة أن يجعل من كردستان رقما صعبا ومؤثرا على صعيد السياسة الداخلية للعراق أو على مستوى العلاقات مع دول الجوار أو المنظمات الدولية والقوى الكبري.

ولا يمكن اعتبار الزيارة التى قام بها وفد من حزب الشعوب الديمقراطية بتركيا إلى مدينة أربيل واجتماعه مع رئيس اإقليم كردستان نيجرفان بارزاني إلا تجسيدا واعترافا من قوى كردية كبيرة مثل حزب الشعوب الذى يتزعمه السيد صلاح الدين ديمرتاش بنجاحات السيد نيجرفان الداخلية والخارجية ومحاولة الاستفادة من دبلوماسيته وعلاقته فى خدمة مصالح الكرد بتركيا واستعادة عملية السلام بين حكومة أنقرة وأبناء شعبها من القومية الكردية.

وكان نيجيرفان البارزانى رئيس إقليم كردستان قد التقى باربيلالاحد8سبتمبر بوفد من حزب الشعوب الديمقراطي HDP، برئاسة السيدسزائي تمللي، الرئيس المشترك للحزب مؤكدا أن جهوده في سبيل إنجاحعملية السلام في تركيا ستستمر، ولن يدخر جهداً في تقديم كل ما يلزملتحقيق هذه الغاية".

وشدد نيجيرفان البارزاني، بحسب بيان لرئاسة إقليم كردستان على أنه "ينبغي حل المسألة الكوردية في تركيا بالطرق السلمية وعدم تفويت أي فرصة لتحقيق السلام"،

من جانبه عبر وفد HDP عن شكره لمساعي السيد نيجيرفان البارزاني السابقة والحالية في سبيل تحقيق السلام. مؤكدا ان السلام يصب في مصلحة كل شعوب تركيا وأن الشعب الكوردي يريد السلام والحل السلمي.

ربما يكون وفد حزب الشعوب الديمقراطية قد غادر أربيل ولكنه بالتأكيد قد ترك فيها حمل ثقيل وضعه فى عنق السيد نيجرفان بارزاني ذلك الرجل الذى تجاوزات مسئولياته حدود كردستان وحدود العراق، وأصبح الكرد بكل المناطق يضعون عليه أن يساهم أو يتدخل فى تحسين أوضاعهم أو منحهم المزيد من الحقوق داخل دولهم.

يبدو نيجرفان بارزاني على موعد مع التاريخ وهو يخوض تحدى إعادة العلاقات بين تركيا والكرد لطريق السلام بعد سنوات من العنف والدم، تحدى ليس سهلا ولا يمكن وصفه بالأمر الهين خاصة أن النجاح فى أمر كهذا سيكون بمثابة انجاز وان شئت فقل اعجاز سياسي نظرا لما سيترتب عليه من تبعات سياسية تتجاوز حدود تركيا لتصل إلى سوريا حيث الخلاف التركي الكردى يمثل أحد معضلات حل الأزمة المشتعلة منذ قرابة عقد من الزمان.

يملك نيجرفان القدرة على تحريك المياه الراكدة فى ملف السلام التركى الكردي ، ويستطيع عبر علاقاته بأردوغان أن يمارس نوعا من الضغوط على الرئيس التركي الذى يعيش أياما صعبة سواء داخل تركيا أو خارجها وهو ما يجعله أكثر تجاوبا مع مبادرة السلام الجديدة داخل تركيا وقد يسهل بشكل كبير من تقريب وجهات النظر بين الإدارة الذاتية وفيدرالية شمال سوريا التى يقودها الأكراد وبين النظام التركي الذى يراهم خطرا على أمنه القومى.

نحن على موعد مع حدث تاريخي قد يغير ملامح الشرق الأوسط بأكمله ويطفىء الكثير من نيران الصراع المشتعلة أو القابلة للاشتعال ببعض مناطقه، ولكن المكسب الأكبر قد يكون ولادة زعيم كردى كبير عابر للحزبية والايدلوجية يحظى بإجماع كل القوى الكردية ويلجأ له الجميع لحل مشاكلهم وخلافاتهم أسوة بالراحل جلال طالباني أو الزعيم الخالد مصطفى البارزاني.