"موجوع... والله العظيم موجوع"... بهذه العبارة وبصوت متنهّد وعينين دامعتين استغاث لبناني مسّن واجتاح وجعه وسائل التواصل الاجتماعي محركاً نقمة وتعاطفاً في الوقت عينه...&
العم لم يعبّر عن آلامه الجسدية وعدم قدرته على العلاج فحسب، بل قال للسياسيين، بالدليل الدامغ، كم تكذبون حين تقولون "لبنان بخير... قد تكونوا أنتم وكراسيكم بخير، أما الشعب فليس كذلك.. الشعب موجوع"!

يوحي السياسيون الناشطون استعراضاً أن البلد في أفضل أحواله، نعم من قد يتوقع أن يكون وفد كبير إلى نيويورك آتياً من بلد ينازع اقتصادياً؟ من يتوقع أن يكون وزير يخطب بالمثاليات ويعطي المهاجرين صورة لمّاعة للمستقبل، آت من بلد يغرق!&

طبعاً نحن بلد نحّب أن نعطي صورة مبهرة عن أنفسنا، حتى لو كنّا نتخبط بوحول الديون... لن تأخذ الدول فقرنا على محمل الجد، فالمنطق يقول إن العجز المادي يتطلب تقشفاً، لا بذخاً... والمنطق يقول إنه يفترض بعائلة صغيرة أن تقتص من كمالياتها في حال العجز، فما بالك ببلد!

هذا الانتقاد الذي يعبّر عنه الشباب اللبناني، لا يروق لمناصري الحكم الحالي. ومن يتابع تويتر مثلاً، سيجد أن الرد دائماً يكون من باب نظرية المؤامرة على العهد وتصويب أصابع الفساد على الأطراف الأخرى... والعكس بالعكس.. وكم كثرت ملفات الفساد التي فُتحت مؤخراً وضج بها الإعلام، ولكن لم يستتبع فتح أي ملف محاسبة أي مسؤول. ماذا حصل بالصفقات التي فضحوها؟ لماذا سكتت الأصوات والوثائق؟

أولاً لأن الغاية من فتح هذه الملفات هو تشتيت انتباه الشعب وتخدير صرخته لا المحاسبة، وثانياً لأن السياسية في لبنان تقوم على مبدأ التسويات، بالعامية اللبنانية "مرقلي لمرقلك". وهكذا يستعرضون سياسياً ويصمتون عند المصالح!&

حسناً، لنتفق أن الذين تعاقبوا على حكم هذا البلد منذ سنوات أمعنوا تلوثاً بالفساد، كل منهم كان له ملفه الفاسد: الكهرباء، النفايات، الكسارات، التعدي على الأملاك البحرية... والقائمة لا تنتهي.. وهذه تراكمت لتنفجر كلها مع ملفات فساد جديدة في حكم قد يكون الأسوأ في لبنان. حكم، لا يكفي فشله في إدارة بلد غارق في الديون، يبني حضوره على العنجهية والغطرسة والوعود الكاذبة... أما الشعب فمنقسم بين مستفيد وموجوع!

نعم ليس كل الشعب موجوع، فهناك شعب مرفّه على غرار زعيمه، فالتعيينات الإدارية والوظائف العامة والتوازنات الطائفية و و و و تعطي السياسيين ورقة رابحة لضمان ولاء المناصرين، وجيش المدافعين عندما تستدعي الحاجة.

على المقلب الآخر، هناك الولاء الايديولوجي وهو ولاء عقائدي معزّز بالمكاسب المادية والمعنوية بإمدادات خارجية، وهذا بدوره له انعكاسات منافع على الحلفاء.&
وعلى هذا الحال لم يبق من هذا الشعب الا الفئة الواعية للواقع والمتحرّرة من الولائين السياسي أو الايديولوجي؛ وهذه عدا عن اصطدامها على أرض الواقع مع الفئات الأخرى المدافعة عن قوى الأمر الواقع، فهي وحدها غير قادرة على تحقيق ثورة وقلب طاولة الفساد على رؤوس المفسدين..

لا نحتاج إلى الكثير من التحليل لنرى أن البلد الذي كان يلقّب بسويسرا الشرق يوماً، بات على حافة الكثير من الانهيارات: بيئياً، صحياً، أمنياً، معيشياً، اقتصادياً... وعلى ما يبدو فالسلطة تُمعن فشلاً كل يوم أكثر؛ فأي نجاة لبلد يحتاج إلى خطة طوارىء ولجنة مختصين، ويُقاد بالصفقات والفاسدين؟

بالأمس نزل الناس إلى الشارع، والشارع حضن الثورة... ولكن في لبنان لا أمل في أن يحرّك الشارع أي ثورة حقيقية، فالثورة تحتاج إلى شعب يقف على ضفة واحدة لا أن يتشتت على ضفاف السياسة والمصالح والإيديولوجيا... تحتاج أن يتضامن هذا الشعب ويصّر على حقوقه لا أن يكون متنازلاً عنها سلفاً كرمى لمن نصبوا أنفسهم عرّابين مدعين حمايته... الثورة تحتاج إلى روح متمردة على الظلم ووعي للواقع وخطة عملية لتغييره... الثورة تحتاج إلى شعب لا أتباع... الثورة تحتاج إلى ثوار!