مازال الواقع الفاسد الرهيب يخيم على الاقليم، والمجتمع قد انقسم الى أقلية حاكمة فاحشة مستبدة تعيش على اكتاف ونهب موارد وثروات وممتلكات الشعب وسرقة رواتب الموظفين وفرهدة اراضي وممتلكات البلد، ويمثلها الحزبان الحاكمان والرؤساء والوزراء والمسؤولون الحكوميون والحزبيون والمسلحون والمقاولون والتجار والأثرياء الفاحشون، وتقابلها اغلبية فقيرة لا حول ولا قوة لها تعاني ومنذ سنوات عديدة من الآثار المأساوية لتراكم الازمات التي فرضتها الزمر الحاكمة.

والقطاع الصحي الاهلي أحد&القطاعات المهمة الفاسدة بالاقليم، ويعتبر من أسوء المجالات التجارية المستغلة لسحق المواطن باعباء مالية باهضة لا يقدر على دفعها أغلب الشرائح الاجتماعية الفقيرة التي تشكل الاغلبية من المجتمع، وهذا القطاع تحول الى نشاط وسوق مالي صرف لا يحوي بحجم مثقال ذرة قيما انسانية وبات يخلو تماما من الاعراف والسلوكيات الاخلاقية، بينما في الواقع المألوف ان الخدمة في هذا المجال هي لغايات انسانية مبنية اساسا على اسس وضوابط مهنية رفيعة وقيم نبيلة لرعاية وانقاذ الانسان من خلال تقديم وتوفير افضل الاهتمامات والخدمات والعلاجات الطبية الى الفرد المريض دون اعباء مالية.

ولا يُنسى ان القطاعات الخدمية العامة التي كانت المؤسسات الحكومية توفرها للمواطنين في العهود السابقة قبل الفين وثلاثة، تضمنت تموين المواد الغذائية والصحة والتربية والتعليم والماء والكهرباء والخدمات البلدية، وكانت تقدم بشكل مدعوم من قبل الحكومة لتخفيف الاعباء المالية والمادية الحياتية والمعيشية من كاهل المواطنين، هذا في سابق العهود، اما في العقد الحاضر فقد تحولت أغلب القطاعات الخدمية المرتبطة بحياة المواطن الى قطاعات تجارية اهلية، وذلك بين ليلة وضحاها دون اكتراث لمصير المواطنين، وبتعمد من قبل الحكومتين في بغداد واربيل بحجة التحول الى نظام السوق الحر، والمصيبة ان المجموعات السياسية والمالية باتت تلعب وتتحكم بالاسواق وبكافة القطاعات الخدمية العامة والاساسية وخاصة الصحة والتربية، وصارت رؤوس مالية فاسدة عفنة ومافيات وحيتان وتماسيح من اصحاب المال الحرام تتحكم بكافة مفاصل الامور والحاجات والخدمات الحياتية والمعيشية والاقتصادية في حياة المواطنين.

وقطاع الخدمات الصحية التجارية بالاقليم من اولى القطاعات التي تحكمت بها مجموعات مافوية فرضت نفسها بدعم ومشاركة ومساهمة من قبل بعض رجال الحكم بالاقليم لهتك كرامة المواطن، وذلك من خلال فرض اعباء مالية خيالية على الخدمات الصحية العلاجية والادوية والمستلزمات الطبية المقدمة للمرضى عن طريق خلع الاموال المحضرة والمدخرة من جيوب المواطنين، وفوق هذا بات الفرد المواطن والانسان المريض لا يقدر بتاتا على تحمل الاعباء المالية الباهضة لمصاريف العلاجات الطبية ودفع تكاليف الفاتورات العالية للخدمات الصحية في المراكز والعيادات والمستشفيات الأهلية، وخاصة لمرضى السرطان والامراض المستعصية، وليس من الغريب ان يفكر احد المصابين بالامراض المزمنة الطويلة بالموت خلاصا من الاعباء المادية الحياتية والصحية المرهقة التي تتطلبها المراجعات المرضية للمراكز الصحية في القطاع الخاص، وبسبب غياب وفقدان الخدمات الصحية الكاملة في المواقع الصحية الحكومية.

ولم تقف المشكلة عند هذا الحد بل ان طرقا ووسائل متسمة بالغش والتحايل سادت مكونات القطاع الصحي الاهلي في مجال التشخيصات والعلاجات والعقاقير والعمليات وتوفير نوعيات رديئة ومغشوشة من الادوية والمستلزمات المعدة لمعالجة المرضى، والغريب ان حملات اعلامية عديدة سوقت من خلال قنوات فضائية وصحافية للحد والسيطرة على الغش والتزوير الحاصل في القطاع الصحي خاصة بمجال الادوية، ولكنها لم تقدر الكشف عن اصحابها المزورين ولم تفلح في ذلك بسبب تحكم مافيات شخصية وحزبية على مفاصل الخدمات الصحية العامة.

وليس بسر ولعدم الثقة بالقطاع الصحي السائد بالاقليم لجوء أغلب المسؤولين من الرؤساء والوزراء والموظفين الكبار الى الخارج لاغراض العلاج والشفاء وعلى حساب المال العام، وحتى افراد اسر هؤلاء لا تتم معالجتهم بالداخل بل يتم ارسالهم للخارج ايضا لغرض المعالجة، وجراء هذا السلوك المشمئز المتسم بالعنصرية والتمييز والفوارق الاجتماعية للطباقات الحاكمة نجد انقساما اجتماعيا متنافرا بين اقلية فاحشة تحكمها نوازع شيطانية واغلبية فقيرة تحكمها نوازع الحاجة الانسانية للحياة.

وخلاصة القول ان الحزبين الحاكمين بالاقليم ومن خلال الزمر التابعة لهما سيطرا تماما على القطاعات الخدمية العامة وخاصة الصحية منها والتي يعتبر اهم قطاع حيوي في حياة المواطن، ولكن لشدة الفحشاء السائدة في وسط اصحاب الكيانات الصحية الاهلية، باتت الموت الزؤام تزرع وتوزع على المرضى والفقراء والمستضعفين والمحتاجين، وخاصة اصحاب الامراض المستعصية، وكذلك على الاجيال اللاحقة النامية، وحرصا على الأمل بمعالجة وحل ازمة الصحة، نقول ان الواقع المتسم بالظلم الشديد في هذا المجال، قد يتسبب بكارثة صحية وانسانية خطيرة بسبب الجور الظالم القائم فيه، فلابد من حل حكومي فعال لأغلب المشاكل الصحية التي يعاني منها المواطنون، ولابد من تدخل مباشر لقيادات رئاسية لوضع خطة عاجلة وآجلة لمعالجة معاناة المواطنين في للقطاع الصحي بالاقليم، والا فان ما حصل في بغداد الثائرة من غضب عارم بسبب سوء الخدمات العامة قد يحصل في كردستان، وهي بالتأكيد اشارة صامتة واضحة لايقاظ الغضب الكامن في صدور المرضى والفقراء والشباب والخريجين العاطلين بالاقليم، واللبيب تكفيه الاشارة، وخير ما نختم به ان الله يمهل ولا يهمل.

* كاتب وباحث سياسي