يقول بعض المتعاطفين مع نظام الملالي الإيراني أو المهزومين نفسياً في منطقتنا أن الدبلوماسية الإيرانية كانت الفائز الأكبر من المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عقدت مؤخراً في نيويورك، ويزعمون أن لقاءات روحاني مع العديد من قادة الدول الغربية يعكس أهمية إيران الاستراتيجية وحرص العالم على التواصل معها!

بالتأكيد كانت هناك لقاءات واجتماعات للرئيس الإيراني حسن روحاني في الأمم المتحدة، شأنه شأن أي رئيس شارك في هذه الاجتماعات، بالإضافة إلى نقطة تتعلق بحرص الدول الأوروبية تحديداً على استغلال فرص الاجتماعات والسعي لحلحلة الأزمة والتوتر القائم مع الملالي، وأُسجل هنا أن الرئيس الفرنسي ماكرون قد عقد اجتماعين مع روحاني، ولكن في محاولة لتحقيق اختراق دبلوماسي وجمع الرئيسين الأمريكي والإيراني على مائدة التفاوض.

دعونا من الاجتماعات، فكثرتها او قلتها ليست دلالة كبيرة على شيء في حقيقة الأمر، ولنبحث في المحصلة، الآن الواضح أن نظام الملالي قد فقد فرصة كبيرة ربما لا تعود لإنقاذ رقبته من حبل العقوبات، فقد كان إصراره على رفع العقوبات قبل لقاء الرئيس ترامب بمنزلة شرط لا يمكن تحققه، إذ كيف يمكن تصور أن يتخلى الرئيس الأمريكي عن استراتيجيته الوحيدة التي يراهن عليها في التعامل مع النظام الإيراني قبل أن يجلس مع روحاني!&ناهيك عن أن الجميع يعرف أن روحاني لا يملك من أمر نفسه شيىء وأن المرشد الأعلى قد صرح بكلام واضح مفاده أنه يمكن التفاوض مع الجميع عدا الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي فروحاني كان يبحث في موضوع لا يمتلك فيه أي صلاحيات في حقيقة الأمر، وهو ما أدركته الإدارة الامريكية التي عاملت وزير خارجيته ظريف بطريقة مهينة وقيدت حركته ومنعته من زيارة مندوب بلاده الذي كان يعالج في إحدى المستشفيات في نيويورك.

لم يستوعب نظام الملالي أن ترامب لم يتخذ أي قرار بشأن رفع العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية حتى الآن رغم لقاء ترامب مع الزعيم كيم جونغ اون مرتين لدرجة أنه وصفه بالصديق، ولكنه لم يمنحه أي تنازلات فيما يتعلق بالعقوبات.

الحقيقة أن نظام الملالي والجناح الأكثر تشدداً فيه تحديداً ربما هو من اتخذ قرار الاعتداء على المنشآت النفطية السعودية بضوء أخضر من المرشد الأعلى لإفشال خطوات روحاني المتسارعة للقاء الرئيس ترامب، حيث بات هذا اللقاء بعد تلك الهجمات الإرهابية في حكم المستبعد تماماً، فلا الرئيس ترامب قادر على تجاوز ما أفرزته هذه الهجمات من معطيات استراتيجية جديدة، ولا روحاني بات قادراً على تحدي تعليمات المرشد الأعلى بعدم الجلوس مع الرئيس الأمريكي.

خسر الملالي في نيويورك أيضاً أي فرصة لتعاطف دولي مع المبادرة التي عرضها روحاني في كلمته على منبر الأمم المتحدة، حيث جاءت المبادرة عبارة عن اجترار لأفكار سابقة وتكرار لتصريحات مطاطة حول الأمن الإقليمي من دون مضمون جديد يمكن ان يغري أحد بالبحث في المبادرة.

تلاشت في نيويوك إذن أي فرص لعقد لقاء إيراني ـ امريكي، بل زاد على ذلك تحول نوعي كبير في الموقف الأوروبي، الذي لمس تشدداً غير مبرر من الملالي، ومن ثم بات موقف أوروبا أقرب إلى موقف الرئيس ترامب فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران.

البعض يقول أن الدبلوماسية الإيرانية تراهن على سياسة النفس الطويل، وهذا صحيح إلا في الظروف الراهنة، فالعقوبات باتت مثل حبل المشنقة الذي يلتف حول عنق الاقتصاد الإيراني يوماً تلو الآخر، ولا يمكن للملالي الصمت عليها او انتظار الانتهاء من جولة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، لاسيما أن هذه الانتخابات قد تسفر عن تجديد ولاية الرئيس ترامب مع حصوله على المزيد من الحرية في التعامل مع الملالي في الولاية الرئاسية الثانية، وهذه الحرية قد تترجم نفاد صبره وتفضي به إلى التوقيع على قرار بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران.

استقراء الشواهد والمؤشرات بموضوعية يؤكد أن الفرصة افلتت من يد الملالي وأن قواعد اللعبة باتت بيد الرئيس ترامب فهو من يحدد دفة الصراع ووجهة الأزمة مهما تعالت تهديدات الحرس الثوري وارتفع صوت قياداته بالضجيج.