إن التصورات الذهنية عن البيئة الواقعيةمرتبطة بثقافة المجتمع والتاريخِ الشخصي للفرد. وكُل فرد يبحث عن صورته الخاصة في أنساق المجتمع، ويُصدِر أحكامَه وَفْقًا لتجربته الذاتية في الحياة. لذلك، تختلف أحكامُ الناسِ وتتعدَّدقناعاتهم&حول القضية الواحدة. وهذا يدل على أن بُنية تفسير الأحداث خاضعة للأفكار الذهنية المسبقة، والمصالحِ الشخصية، وتعدُّد زوايا الرؤية. وإذا أردنا تحديد الخصائص الجوهرية للتحولات الاجتماعية، فلا بُد مِن تحليل البُنى الإنسانية رمزيًّا، لأن الرمز الاجتماعي عابر لحدود الزمان والمكان وطبيعة الناس، كما أن الرمز الاجتماعي لا يتأثر باختلاف الأمم والشعوب، لأنه مُرتبط بالصيغة الإنسانية، ولا يرتبط بالعقائد والعادات والتقاليد. وكُلُّ البشر مُتشابهون في التكوين الإنساني والتركيب العاطفي، ولكن الاختلاف يَظهر في العقائد والثقافات، كما أن البنية الإنسانية سابقة على البنية العقائدية، وكُل إنسان يأتي إلى هذا العَالَم بدون عقيدة، ثُمَّ بعد ذلك يعتنق العقيدةَ التي يَقتنع بمبادئها وتعاليمها، ويطمئن إليها، ويَفرح بها. وأسبقيةُ الوجود الإنساني على الوجود العقائدي ينبغي أن تُوضَع في سياق التعاون بين البشر لإعمار الأرض&، والنهوض بالإنسان، وصناعة الحضارة، بعيدًا عن القهر والإذلال والاحتقار&.&واختلافُ الأديان والعقائد والثقافات لَيست عقبةً في طريق صناعة عَالَم جميل، وحضارة إنسانية راقية، لأن قوانين الدنيا تختلف عن قوانين الآخِرة. والدنيا قائمة على السُّلوك الاجتماعي، والتعامل الحَسَن، والاحترام المُتبادل، والسُّمُو الروحي،والنهضة المادية. أمَّا الآخِرة فتقوم على أساس العقيدة الدينية التي مَحَلُّها القلب، وكُل إنسان حُر في اختياره، ويتحمَّل مسؤولية اختياره أمام الله تعالى. والإنجازاتُ البشريةُ والثورة التكنولوجيةوالنظريات العِلْمية لا دِينَ لها.

2

& & لا يُمكن تحليل الشعور الإنساني اعتمادًا على الحالات الوهمية العابرة في المجتمع، لأن الشعور الإنساني كُتلة حقيقية واحدة قائمة بذاتها، وشديدة الاستقطاب، ومُؤسَّسة على المنطق الذاتي المركزي الذي يَملك القدرة على الانبعاث الدائم والتَّشَكُّل المُستمر. وهذا يعني أن تحليل الشعور الإنساني يجب أن يعتمد على القيم المُطْلقة اليقينية، والقيم النِّسبية الحقيقية. وهذه الثنائية القِيَمِيَّة ( المُطْلقة / النِّسبية ) تُمثِّل كيانًا فِكريًّا فِعليًّا، وتُجسِّد تيارًا اجتماعيًّا محسوسًا، وتقوم على أرضية منطقية صلبة ومتماسكة، بعيدًا عن الأوهام والشُّكوك والشُّبهات. والشعورُ الإنساني يجب أن يتأسَّس على اليقين والحتمية، من أجل تحليله بشكل عِلمي منهجي، ورَبْطه بعناصر التفاعل الاجتماعي&، لإيجاد حُلول واقعية لمشكلات الفرد وأزمات المجتمع. واليقينُ&يُغلِق الطريقَ أمام الشُّكوك والظُّنون والمُكوِّنات الفاسدة، وما قامَ على باطل فهو باطل. أمَّا الحتميةُ فتُغلِق الطريقَ أمام الاحتمالات والمتاهات.&وما طَرَأه الاحتمال، سَقط به الاستدلال. وكما أن العمارة تُبنَى على أساس قوي ومتين، يَقْدِر على حَمْلها، كذلك المنهج العِلْمي يُبنَى على الأدلة القاطعة، التي لا مكان فيها للشكوك والاحتمالات وأنصاف الحُلول.&ولا معنى للحِياد حين يتعلَّق الأمر بالحقيقة والوهم.