تميّزت المرأة عبر العصور القديمة والحديثة بمشاركتها الفاعلة في شتى المجالات؛ فلعبت دور الشاعرة والملكة والفقيهة والمحاربة والفنانة. لكن واقع المرأة اليمنية ما زال كئيبًا؛ إذ تعاني التمييز العنيف مع ارتفاع أصوات المتطرفين.

لقراءة المادة باللغة الانكليزية أنقر على الرابط

Including women could offer Yemen a way out of violence

في الحقبة الأطول من تاريخها الجمهوري الذي بدأ في عام 1962، عانت اليمن الكثير من العنف وانعدام الأمن، بسبب النزاعات المسلحة المتكررة والناشئة، والإرهاب، والتطرف، ومستويات قياسية من النزوح الجماعي للسكان وانتشار المجاعة وتفشي الأمراض.

لا تُعد الأزمة الصعبة التي يمر بها اليمن معزولة بحد نفسها، بل أصبحت من أعراض الوباء واسع الانتشار. في الواقع، اتخذ قرننا الحادي والعشرين صفة العنف وعدم الاستقرار السياسي. وكما تبين البيانات، أثبتت أساليب صنع السلام القياسية أنها غير فاعلة في معالجة مثل هذه الاتجاهات؛ إذ فشل ما يقرب من نصف اتفاقيات حلّ النزاعات التي أُبرمت خلال تسعينيات القرن الماضي، في غضون خمس سنوات من توقيعها.

خطر الحرب الأهلية

ترتفع نسبة الانزلاق إلى الحروب الأهلية في العالم بشكل مثير للقلق، حيث حدثت 90 في المئة من الحروب الأهلية في الألفية الثانية في بلدان شهدت بالفعل حربًا أهلية خلال ثلاثين عامًا ماضية. هذا هو الواقع الذي يجب أن تفهمه جميع الأطراف الساعية إلى التوصل لسلام في اليمن، والأهم من ذلك أنه يجب التغلب على خطر الدخول في هذه الدوامة.

بديهي القول إنه إذا لم يتم التوصل إلى حلّ حقيقي من طريق المفاوضات، فمن الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى تفكير مختلف كي يستتب السلام والأمن على الساحة اليمنية.

نساء اليمن

ربما يستعيد اليمن عافيته من خلال الحلّ الديموغرافي الذي تم تجاهله بشكل منتظم على مدار عقود، والذي يتمحور حول النساء. ففي عام 2016، قدر البنك الدولي أن عدد الإناث في اليمن يمثل 49.8 في المئة من إجمالي سكان البلاد، ويُعتقد أن هذه النسبة تزيد اليوم على 51 في المئة.

على مدى عقود، تعرضت النساء اليمنيات للتجاهل ولعدم تمثيلهن ولمنعهن من المشاركة في القرارات السياسية. وكما تقول الأغنية، بقيت اليمنيات "من دون صوت". وللمفارقة، إنهن من يتحمل وطأة الصراع.

في عام 2018، أثبتت الأمم المتحدة أن النساء والأطفال يمثلون 76 في المئة من النازحين داخليًا، وأن عدد النساء والفتيات المعرضات لخطر العنف القائم على التمييز الجندري يُقدر بنحو 3 ملايين. وعلى الرغم من مرور عام واحد فقط على نشر هذه الأرقام، ازدادت معاناة النساء وهشاشة وضعهن إلى حد كبير، مدفوعة بالتصعيد في أعمال العنف، حيث تخطت الميليشيات الحدود المسموح بها لتفرض نفسها بقسوة التطرف التي لا توصف.

وفي حين أن نقادًا كثيرين سيرفضون فكرة مشاركة المرأة الاجتماعية والسياسية من خلال المجادلة بالحاجة إلى إعطاء الأولوية لقضايا الأمن القومي، أفترض أن تجاهل اليمن للنساء بصفتهن فاعلات يمتلكن دورًا بارزًا من أجل التغيير والاستقرار والنمو هو ما دفع اليمن إلى الانهيار بشكل كامل، في ظلّ وجود أيديولوجيات دينية مسلحة.

النساء والسلام

تُشير مجموعة متزايدة من البحوث إلى أن مشاركة المرأة في منع نشوب النزاعات وتسويتها تعزز المصالح الأمنية. ووجدت إحدى الدراسات أن إشراك النساء ومجموعات المجتمع المدني في مفاوضات السلام يقلل فرص فشل المفاوضات بنسبة 64 في المئة. ووفقًا لدراسة أخرى، ما لا يقل عن 35 في المئة من المفاوضات التي تشارك بها النساء تستمر خمسة عشر عامًا على الأقل.

يشير بعض التحليلات أيضًا إلى أن أعلى مستويات المساواة بين الجنسين ترتبط بانخفاض الميل إلى النزاع، سواءً بين الدول أو في داخلها. وعلى الرغم من تزايد الاعتراف الدولي بدور المرأة في الأمن، تأخر تمثيلها في عمليات السلام والأمن.

إن تعزيز مشاركة المرأة في بلد مثل اليمن، يعاني سلسلةً من القضايا المتداخلة والمتشابكة، يمكن أن يسمح بخطوات حثيثة نحو الاستقرار، إضافةً إلى تعزيزه التقدم الاجتماعي والاقتصادي تماشيًا مع قرار مجلس الأمن رقم 1325، الذي يعترف رسميًا بفوائد مشاركة المرأة.

تؤكد تحليلات تجريبية عديدة أن المرأة تقدم مساهمات فريدة وموضوعية وقابلة للقياس في ضمان السلام وحفظه. وعلى الرغم من أن الجهود التقليدية التي تبذلها الحكومات والمنظمات غير الحكومية لمكافحة التطرف تركز في العادة على الوصول إلى القادة السياسيين أو الدينيين، الذين يكونون غالبًا من الذكور، أظهرت البحوث الحديثة أن النساء يتميزن بفاعلية إضافية في نشر رسائل مكافحة الإرهاب بين الأسر والمجتمعات، كونهن يتمتعن بمكانة رفيعة تمكنهن من تحدي سرديات التطرف في المنازل والمدارس وغيرها من البيئات الاجتماعية، وكونهن يمتلكن تأثيرًا خاصًا في أوساط الشباب.

دور فاعل

اعترفت الاستراتيجية المشتركة لوزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي أنشئت للتصدي للتطرف العنيف حول العالم، صراحةً، بأن المجموعات النسائية يمكن أن تساعد في تحديد دوافع التطرف العنيف داخل أسرها ومجتمعاتها ومعالجتها. وبناءً على ذلك، يبدو واضحًا إلى حد ما أن اليمن يمكن أن يكسب بشكل كبير من خلال تمكين المرأة لصالح الجميع، بما في ذلك الجهات الفاعلة الإقليمية. ويمكن القول إن استقرار اليمن في المستقبل هو قضية مهمة تتعلق بأمن مواطنيه القومي، وتعادل الأهمية نفسها لجيرانه المباشرين.

إذا أخذنا في الحسبان أن المستويات العالية لمشاركة المرأة أثبتت بالفعل أنها تقوي بشكل كبير مؤسسات الدولة وتعزز النمو المالي وتخفض مستويات الفقر المرتفعة، فلا بد لليمن من سد فجوة التمييز الجندري بين الجنسين، وهذا يتطلب بالضرورة إصلاح العقول.

يجب أن نواجه حقيقة مفادها أن المعايير الاجتماعية القبلية والأبوية في اليمن عوامل رئيسية تسهم في استبعاد المرأة من الساحة السياسية ومن قوة العمل. ونذكر على سبيل المثال أن وصول الإناث إلى سوق العمل واجه تحديًا من الاعتقاد السائد بأن دور المرأة الأساسي ينحصر بالدور المنزلي، وليس الأكاديمي أو تنظيم المشروعات.

أبقى مثل هذا التفكير النساء في حال من القصور الاجتماعي والسياسي، وبالتالي وضع اليمن في وضع متردٍ مقارنة بالبلدان الأخرى؛ إذ توجد في اليمن واحدة من أدنى المعدلات العالمية للمشاركة النسائية في القوى العاملة، على الرغم من توقيع الحكومة اليمنية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

مشاركة ضئيلة

بين عاميّ 2013 و2014، أظهر مسح أجرته منظمة العمل الدولية أن ستة في المئة فقط من النساء شاركن في القوة العاملة قبل النزاع، بينما شغل النساء 7 في المئة فقط من الوظائف. وغني عن القول إنه منذ عام 2015، تم تهميش النساء في المجتمع حيث ازدادت محنهنّ بسبب ارتفاع أصوات المتطرفين المطالبين بفصل مطلق ونهائي بين الجنسين.

يعتمد مستقبل اليمن إلى حد كبير على كيفية صياغة مسؤوليه رسالة السلام، فالحرب لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. مع ذلك، إن إنهاء الحرب لا يعني صنع الاستقرار؛ إذ إن الاستقرار الذي يتوق إليه اليمن هو المطلوب لإعادة البناء والازدهار. وإلى أن يتصالح صناع القرار مع حقيقة أن مستقبل اليمن سيكون على الأرجح مكتوبًا بيد نسائه، نخشى أن تطارد الأمة الفقيرة ظلها إلى الأبد.

* ترجمة سامي خليفة