المعنى البسيط والمباشر لمفهوم الحرية يعني حرية الاختيار،&ولا اختيار حر في ظل الإكراه، لذلك فان الحرية تعني غياب الإكراه على&جميع&المستويات كافة بحيث يستطيع الانسان ان يمارس حقوقه&ويلتزم بواجباته بعيدا عن الضغوط والإكراهيات المتعددة التي تحول دون الممارسة السليمة لمفهوم الحرية.

والحرية لا تعني بأي حال&من الأحوال&الخروج على القيم&والمبادئ&ومحاسن الأخلاق والأعراف الاجتماعية، وانما تعني استخدام ارادتنا والتعامل مع واقعنا وما ينسجم مع العقل والضمير والمنطق السليم والمثل العليا. واذا قرأنا التاريخ نجد ان&تطوير&مفهوم&الحرية على الصعيد المجتمعي جاء نتيجة&نضال&طويل ومستمر من اجل تثبيت قيم الحرية وإنهاء كل عناصر الإكراه التي تحول دون التراكم الإيجابي لقيمة الحرية.&ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار القمع والإكراه والعنف وسيلة من وسائل تنظيم الحياة الاجتماعية وضبط العلاقة بين السلطة والمجتمع، وكذلك بين المجتمع نفسه بأطيافه المتعددة والمختلفة.

الحرية هي التي توفر المناخ الطبيعي والصحي لتجاوز كل الحساسيات واستيعاب كل الأطياف والقوى في الوطن الواحد، ومن دونها تنمو العصبيات وتبرز الأطياف والخصوصيات. ولا يمكن للحرية ان تنمو في محيط المجتمع الاستبدادي والمغلق، وذلك لإن هذا المجتمع يستند الى نظام سياسي واجتماعي مغلق يحارب كل محاولة نحو&الانفتاح&والتواصل، ويقف موقفا مضادا من كل عمليات إعادة بناء المجتمع على أسس ومعايير جديدة ومتطورة.&

إن حاجتنا الى الحريات واشاعة&قيم الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية ليست نابعة فقط من القول بضرورة التكيف مع الأوضاع العالمية التي تدفع&بالاتجاه&نحو الحرية والديمقراطية، بل هي نابعة بالدرجة الأولى من حاجتنا الملحة الى الحريات لتطوير تجاربنا الديمقراطية والخروج من المأزق والأزمات التي تواجهنا. فالاستقرار السياسي والاجتماعي يتطلب باستمرار تطوير نظام الشراكة والحرية على كل الصعد والمستويات حتى يتسنى للجميع كل من موقعه خدمة وطنه، ولا يوجد شيء مهما&علا شأنه ان يعوضنا عن قيمة الحرية.

مع الحرية والديمقراطية يبقى مشروع الوحدة الوطنية ممكنا&في كل بلد عربي، ومن دونهما يبقى واقعنا ممزقا وعلاقاتنا متأزمة، ولا علاج لهذه المآزق العديدة إلا بإطلاق الحريات السياسية والفكرية والثقافية التي تسمح لجميع قوى المجتمع&في البلدان العربية&بالمشاركة الفعالة في&إدارة&الشأن العام وتطوير العمل السياسي والمدني. الحرية هي بوابة الوحدة والإجماع&والإبداع،&وهي الوعاء الذي يستوعب جميع الطاقات والقدرات،&وهي التي تعييد صياغة علاقتنا بمفاهيمنا وافكارنا. ولا يمكن لأي مجتمع ينشد تجسيد القيم الكبرى للإنسانية ان يحقق ذلك من دون الحرية والديمقراطية، فلا وحدة ولا عدالة اجتماعية من دون حرية، ولا مساواة وتكافؤ للفرص في غياب الحرية.&

الحرية هي الإكسير الذي يمنح الحياة لكل القيم الإنسانية الداعية للتقدم والتطور. فلنعمل جميعا بكل طاقاتنا وجهودنا مناجل إرساء دعائم الحرية وتوفير شروطها لتطوير واقعنا السياسي والاقتصادي&والاجتماعي&والفكري والثقافي، وتعزيز وحدتنا&الوطنية والعربية&وفق هداها ومتطلباتها.