"أين ستهربون من ردة الغضب في صدر شعب كامل يحترق الغضب؟

أين ستهربون... من لعنة الضمير...؟ لن يُعينكم هرب.

أين ستهربون من رضع شردتموهم خارج الأمان... لا سقف لا زمان؟"

إنها لسخرية القدر أن تكون هذه الكلمات التي كتبها الشاعر هنري زغيب وغنتها الفنانة ماجدة الرومي للعدو الاسرائيلي بعد مجرزة قانا في العام 1996، تُناسب مسؤولين لبنانين أُوكل اليهم هذا الوطن فخانوا الأمانة... إنها للعنة القدر!

اللبنانيون جوع وجاعوا... موت وماتوا... ماذا بعد؟ ماذا بعد في جعبة سلطة كل ما ظن اللبنانيون أنها قدّمت لهم أفدح عروضها في الفساد والوقاحة، تفاجئهم بعرض أكثر استفزازاً.. وكل يوم تبدع بإغضاب الشعب أكثر فأكثر، لدرجة أن "الوقاحة" باتت مصطلحًا&لطيفًا أعجز من أن يعبّر ويصّف ما تفعله!

البلد يغلي وهم بكل برودة يتقاسمون الحصص الوزراية.

البلد ينهار مادياً وهم يوزعون وزارات دولة لا طائل منها ومكلفة لدولة عاجزة. يوزعونها وكأنها حبّات بسكويت ليوازنوا محاصصاتهم ويخدموا مصالحهم التعطيلية!

رجال ينتحرون بعد أن ضاقت بهم الحياة درعاً وباتوا عاجزين عن تأمين أبسط احتياجات عائلاتهم... وهم يعيشون يومياتهم كأن شيئاً لم يكن!

طرقات فائضة بالمياه مع أول هطول غزير للمطر، مواطنون عالقون ساعات على الطرقات وأضرار مادية كبيرة، وهم يستمهلون ويناكفون ببعضهم بعضاً!

علماً أن المطر تأخر هذه السنة وكأنه يرأف باللبنانيين.. وكأن الطبيعة تدرك أن النعمة على كل البشر، باتت على اللبنانيين نقمة!

كل شيء في هذا البلد بات نقمة حتى القرش الأبيض الذي خبأه اللبنانيون ليومهم الأسود بات نقمة بعد أن اتخذت المصارف تدابيرها بمنع المودعين من سحب أموالهم إلا بيسر نذير!

ويخرج رئيس الجمهورية معايراً المواطنين الذين سحبوا أموالهم بأنهم السبب في أزمة المصارف، ناسياً أو متناسياً مليارات الدولارات التي حوّلها السياسيون وكبار المودعين إلى الخارج أول أيام الانتفاضة!

لماذا الدولة مسؤولة لأنها هي المولجة حماية هذا الاقتصاد المنهار، وبدل أن تلجأ إلى احتضان المواطن، تخنقه أكثر فأكثر.

أكثر من خمسين يوماً الناس في الشوارع يثورون، وبدّل أن يوقظ ذلك السياسيين من غيّهم لتبديل المشهد القاتم، يعيشون حالة انكار!

ماذا حصل؟ أغلقت الكثير من الشركات أبوابها وسرّحت موظفينها، خُفضت معاشات الكثيرين إلى النصف، وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بشكل جنوني، وتشير الأرقام إلى أن الارتفاع وصل إلى ثلاثين في المئة.

في بلدنا الناس خائفون على لقمة يطعمونها لأولادهم، والسلطة تهدر الملايين...

في بلدنا الفقراء ينتحرون من الجوع والأغنياء يزدادون تخمة وصلافة...

في بلدنا، ناجي الفليطي الذي انتحر لأنه لم يستطع القيام بمسؤولياته تجاه عائلته الصغيرة، كان يسجّل ديونه على دفتر ليعيدها... والمسؤولون لم يتحملوا أي مسؤولية؛ سرقوا المليارات حتى شُلّ البلد، ولا ينوون إعادة أي شيء بل يطمعون بالمزيد... ويختلفون على الحصص!

في بلدنا ينتفض الفقير لكرامته وينتحر... وهم على كراسيهم بلا كرامة يتعنتون.. ما أوقحهم!