بعد&أن تفقأت البثور النتنة في المجتمع السوري نتيجة عنف السلطة من جهة،&وفوضى السلاح&وانتشار المافيات وأمراء الحرب&من جهة أخرى، وظهور&حالاتعدة&تشير إلى أن الاِنتقام والتعذيب والقتل&كان&على الهوية، وسماع القصص المأساوية&لمن كانوا&غير القصف البري والجوي من&ضحايا البساطة والطيبة&لعدم إتقانهم&فن الكذب والتحايل والنفاق&للتخلص منبين&مخالب الموت، بدا لنا&أن&من بعض الأخطاء&الإعدادية&التي&ارتكبتهتا أكثرية&الأحزاب الكردية&في سورية&تمثّل&في&إصرارهم&في الندوات السياسية والثقافية والفكرية&على&تنشئة&الأنصار والمؤيدين والجمهور بوجه عام&على&قيم العدالة وحقوق الإنسانونشر ثقافة الديمقراطية والليبرالية&والمصارحة،&هذا&بعد&تعويلهم&فترة طويلة&من الزمن قبيل انهيار الاتحاد السوفييتي&على النظرية الاشتراكية،&وتشريبهم بالأفكار&الماركسية&التي تضمنت&حق تقرير مصير&للشعوب وحثت&على&الإلتزام&بالأخلاقيات&الأممية القائمة على&عدم إستغلال الإنسان للإنسان وعدم استغلال&الأمة للأمة، وذلك وسط&مجتمعات&دينيةيناهض&الكثير من&أفرادها تلك الأفكار والآراء والتصورات،&بل وتحاربها وتعتبرها من منتجات الكفرة والملحدين، وهو ما أفضى في الكثير من الأحيان إلى تصادم الكائن الكردي مع الآخر من أفراد المجتمعاتالمحلية&التي يقطن الكردي بين ظهرانيها،&إضافةً إلى&دفعه ضريبة&عدم تعلُّمه فنون الوقاية كأحد&العلوم&الضرورية لاستمرار العيش.

إذ أن هذه الأحزاب&وبالرغم من أنها لم ترتكب عملياً أي جرم في نشرها لتلك القيم،&إلا أنها&قصّرت في استكمال ما تقوم به&في الجانب التوعوي، فصحيح أنها غير معنية ربما بتعميم ما تؤمن به بين أفراد الأقوام والاثنيات الاخرى الذين يعيشون بجانب الفرد الكردي، إلا أنه كان على تلك الأحزاب&تعليم&جماهيرها&إلى جانب النظريات الغربية&فلسفة التقيةالشرقية&بحذافيرها،&وتخبرهم&بأن الأفكار التي تلقفوها لا ينبغي إظهارها في كل الميادين،&وضرورة إخفاء مستبطناتهم&في الكثير من المواقف والمحافل،وعدم الدخول في أي جدالات حيالها مع باقي أفراد المجتمع،&وذلك خوفاً عليهم من الوشايات وبطش رجالات السلطة،&باعتبار أن&تلك المناقشات&التي&تفضي إلى&كشف المبدأ&الكامن&قد تضر بالنفر الكردي أكثر من إفادته منها، بما أن المناخ&العام للدولة&غير مهيأ لإعلان تلك الآراء، إضافة إلى أن الكردي كان من القومية المحظورة من قِبل&أتباع ورجالات&السلطةوالمتشبعين بأمصال&الحزب&الحاكم،&وكيف لمن لم يكن من أتباع الحاكم بأن يطرح الأفكار المناهضة للسلطة؟أو يجاهر بآرائه أمام الدائرين&في فلك&السلطةوالمنتمين إلى السلطان&عرقياً، دينياً أو أيديولوجياً؟بينما&المعروف أن الرعية&في مجتمعاتنا&على دين&الراعي، كما&أن عامة الناس في الدول الشرقية تصطف في الغالب مع القوي سواءً أكان ذلك المتجبر على حق أو&على&باطل، وحيث&يقول غوستاف لوبون&في هذا الصدد&بأن "الجماعات تتأثر دائماً بالقوة، وقلما يستميلها المعروف&وأن الجماعات لا تحترم إلاّ&الأقوياء، وقد كان احتقار الضعف على الدوام شعاراً لها".&

وبما أن&التقية&فلسفة حياة لدى طائفة كبيرة من المسلمين،&وأنها مشروعة&لدى غالبية أتباع مذهب من المذاهب الرئيسية في الإسلام،&وهي مبررة طالما كان الغرض منها سلمي ولحفظ الروح البشرية من شرور المعتدين، بما أن&إخفاء&المعتقد&جاء بسبب&الخشية&من وقوع&الضرر المادي أو المعنوي، أي&أن&الاتقاء أو الخشية هي التي تدعو المرء لعدم إظهار ما يؤمن به أو يحبه من باب الحيطة والحذر، وهذا يعني بأن التقيةحاجة ماسة للحفاظ على حياة الإنسان،&وأصلاً&لما كانت&ذا جدوى وأهمية وحاجة&لو توفرت حرية الفكر والاعتقاد في الدول الشرق أوسطية، وبما أن قمع المعتقدات والآراء المخالفة ساري المفعول منذ أكثر من ألف سنة في بلادنا،&فهذا يعني بأنه من&شبه&الحُمق&أن&يكشف المرءُ عن&مكنونه&في فترة الحروب والمنازعات.

وعن تبعات الجهل بفلسفة التقية&سأذكر مثال حي لرجلٍ&لُقِنَ&يوماً ما بالأقوال والشعارات الحزبية وحُشي بالأفكار السياسية من بوابة العاطفة وساحاتها ومخارجها،&بينما نسي عراّفي السياسية أن&يُلقنوه&ولو على هامش الندوات بعض&دروس التملص من المواقف الحرجة وكيفية التستر على ما يميل إليه، إذ&عند دخول الجيش التركي وبعض&الفصائل السورية التي استخدمتها تركيا في حربها ضد وحدات الحماية الشعبية&في منطقة عفرين،&جمعوا سكان إحدى القرى&التابعة لناحية جنديريس&في قرية ملاصقة لها، ولم يسمحوا للأهالي بدخول بيوتهم إلى حين التأكد من أن القرية خالية من الألغام ومن عناصر وحدات الحماية الشعبية، وقاموا بتفتيش كل بيوت القرية قبيل عمليات التعفيش التي تتم عادة من قبل السوريين وليس الجيش التركي طبعاً، وأثناء البحث والتحري رأوا في أحد بيوت القرية صورة لعبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني معلقة على جدران إحدى الغرف، وعندذاك قام&العناصر&وعلى الفور بتمزيق الصورة إرباً إربا ورميها على الأرض، وبعد أن انتهوا من عمليات تفتيش&المنازل والحظائر&سمحوا لأهالي القرية بالدخول إليها، عندها راح كل واحد منهم إلى بيتهليستفقد أغراضه،&ومن بينهم رجل كبير بالسن راح هو الآخر&إلى&بيته الذي وُجد فيه صورة أوجلان، ولأن هذا الرجل غلبته العاطفة ولم يخطر على باله في تلك اللحظة بأن أوجلان وكل ما يمت له بصلة محظور، وأن غزوة عفرين بالأصل جرت بدعوى محاربة وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي&المحسوب أيديولوجياً على&عبدالله أوجلان، وأن أي كردي في عموم المنطقة يمكن أن يُسجن أو يُسحل أو يُهان&أو يُغرّم بآلاف الدولارات&بتهمة تبني أفكار&وفلسفة عبدالله أوجلان، ولأن كوادر الحزب الذين كانوا يزورون&ذلك الرجل&يوماً ما لم يقولوا له بأن عليك في بعض الأوقات إخفاء ما تحب ونكران ما تؤمن به، لذا وبكامل السذاجة القروية&ولمجرد أن دخل بيته ورأى صورة أوجلان ممزقة نسي كل ما جرى لبيته،&وركض باتجاه الصورة&ليجمع أشلاءها،&وكمن عثر على لقية أثرية مكسورة بين الخرائب راح يُلملم صورة أوجلان ويضع القطع بجانب بعضها علّه يعيد تركيب الصورة من جديد بعد لملمة أطرافها، ولم يصحو من غيبته وإنشغاله بالصورة&إلاّ&على أصوات&العناصر&الذين&قبضوا عليه&متلبساً&بالجرم المشهود وهو يلملم الصورة كمؤمنٍ يجمع أجزاء&من&كتابه المقدس، فقاموا&عندئذٍ&بإهانته وتوبيخه&ولطمه&قائلين له لو لم تكن كبيراً بالسن لفعلنا بك ما لا يخطر على بالك وما&لم تكن&لتنساه للأبد؛&وحيث&جرى&له&ذلك&لأنه&بقي جاهلاً بأصول وضرورات التقية كآلية وقائية&عند الضرورة،&لذا&لم يقدر على إخفاء حبه لزعيمه الروحي&أوجلان،&أوجلان&الذي&جلب كوادره المتنقلون&كالخفافيش بين الحدود&الخرابَوالدمار لكرد سوريا،&وقبلها&جلبوا الطائرات&لمئات القرى&والبلدات&الكردية في&تركيا، والذي&بحجة محاربة أنصاره&تمّت غزوة عفرين ومن بعدها رأس العين وتل أبيض!!