مفهوم التسامح وقبول الآخر مألوف ومتداول لدى الكثير من أفراد المجتمع، ولكن دلالات ومعنى &ذلك المفهوم تختلف اختلافا كليا بين الأفراد وذلك تبعا للبيئة والثقافة &التي ينتمي إليها الفرد، ولذلك لا يزال العلماء &يواجهون تحديا في الوصول إلى تعريف جامع وشامل لمفهوم التسامح، إلا أن هناك العديد من المحاولات التي نجحت في تحديد المعالم الرئيسية لمفهوم التسامح بالرغم من أنها لم تكن شاملة لكافة الجوانب المرتبطة بهذا المفهوم.

القيم الأخلاقية والسلوكية كالتسامح والمحبة وغيرها من الأمور الرئيسية لعمليتي التربية والتعليم في المدارس والجامعات، والتمسك بها يؤدي إلى احترام الطلاب لها من أجل التغلب على التعصب والعنف ومواجهة كافة الأزمات حاضرا ومستقبلا لتحقيق التماسك الاجتماعي والتنمية البشرية المنشودة. ومن هنا، تتجلى أهمية قيم التسامح والمحبة كضرورة من ضرورات الحياة التي تهتم بترسيخ العلاقات الاجتماعية والقيم الأخلاقية والدينية. وعليه،&فلا بد من ترسيخ قيم التسامح، ونشر هذه الثقافة بين الأفراد، وخاصة الطلاب، فبالتسامح والود والمحبة يترسخ مبدأالاحترام المتبادل، ورفض العنف،&ويسود الأمن والأمان في المجتمع.

ومن المؤسف أن المناهج المدرسية&الحالية في عالمنا العربي&تكاد&تخلو&من المواد المتعلقة بالتسامح وقبول الآخر المختلف،&التي هي اساس&الاستقرار والتقدم والازدهار في المجتمعات المعاصرة، وإن وجدت هنا أوهناك فإنها تقتصر على المعلومات النظرية حول حقوق الانسان والمواطنة،&ولكنها&بعيدة كل البعد عن التطبيقالعملي لهذه المواد في مجال الحياة الاجتماعية اليومية والمعيشية. &

المعلم يمثل ركيزة التربية على حقوق الإنسان وبالتالي لابد من التركيز عليه والاهتمام به وتطويره ليخدم هدف العملية التعليمة بشكل عام وهدف نشر حقوق الإنسان بشكل خاص، اذا يلزم&تدريس وتدريب المعلمين على امرين:&ثقافة&حقوق الإنسان&وقبول الآخر المختلف،&وعلى الأساليب والطرق الحديثة في التدريس للحصول على نتيجة افضل، وذلك لتمكينهم من نقلها وترسيخها في عقول ووجدان الطلاب بطرق متنوعة.

"ماريا لوسيا" المتخصصة&في&الشؤون التعليمية العابرة للقارات،&تؤكد&أن هناك تزايدا في خطابات الكراهية التي يغذيها الخوف من الآخر والعمل بانعزالية، موضحة أن معالجة المسألة بإشراك المدارس والمؤسسات التعليمية،&والنظر إلى نقطة مهمة هي:&ما الذي يدفع الشباب في أكثر من بقعة في العالم إلى تبني أفكار متطرفة؟&وتقول:&الإجابة واضحة، لكن الحل هو الذي يجب أن نعمل عليه بسرعة، فالشباب لا يشعر بالانتماء، وتتملكه مشاعر مختلطة، ولا يتبنى هوية واحدة، والأنظمة التعليمية الحالية، بواقعها الذي هي عليه، لا تستجيب لاحتياجات النشء والجيل المستقبلي.&يجب اعادة النظر في الأنظمة والبرامج التعليمية، وأن تعتبر نفسها جزءاً أساسياً من الحل، ما يتطلب أن يكون لدينا تعليم واعٍ، لا يكتفي بالمحتوى بل بإدارة العملية التعليمية والأخذ في الاعتبار حقيقة التعددية، وهو ما لا يحدث في كثير من الأنظمة التعليمية.&علينا أن نجد مساحات آمنة للأطفال للتواصل مع أنفسهم، حيث يُملى عليهم في أغلبية الأحيان ما يجب أن يكونوا عليه، إلى جانب توفير مساحة ثقافية معرفية ودينية في الأنظمة التعليمية، وتعليمهم احترام الآخر".&

لا بد من التنبيه للدور الحيوي والمساند الذي يجب أن نقوم به نحن أولياء الامور في خلق البيئة الاسرية السليمة لجعل الأبناء يتقبلون مفهوم التسامح والإخاء،&فبطبيعة الحال لا يمكننا إلقاء&المهمة&برمتها&على المدرسة في هذا الجانب.&وعلينا جميعا أن ننظر الى هذه التربية بوصفها الحياة الحقة التي يجب أن يعيشها&أبنائنا&في كل لحظة لكي نتمكن من بلوغ الهدف المنشود من قبول للآخر&المختلف في الدين والعقيدة واللون&والتعايش&السلمي&معه.

ثقافة التسامح باتت من الضروريات الملحة التي يفرضها الواقع الراهن لمواجهة العنف المجتمعي،&مما يوجب الحرص على ترسيخ القيم الإنسانية وتعزيز قيم المواطنة، فالتسامح من الصفات التي تحبها النفوس وتنجذب اليها القلوب.&يقول&فيلسوف التسامح الفرنسي فولتير: "إنني لا أوافق على ما تقول، ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله".&قال تعالى في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ&إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ&مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ&شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا&إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".