سئُلَ أحد المقامرين يوماً عمن يراهم أسوأ منه منزلةً في هذا العالم،&فقال: أصحاب المناصب السياسية والشعراء، قيل لماذا&وكيف؟ فكان رد المعوّل على هبات&آلهة&الصُدف، سأبدأ أولاً بنفسي ومن ثم أتحدث عنهم، وأردف قائلاً: إن وضعي ليس بخافٍ على أحدممن يعرفونني عن قُرب، فأُدرك بأني أذيتُ نفسي كثيراً&جداً، كما&كنتُ السّببَ &في صب الكثيرِ من الويلات على رؤوس أولادي وزوجتي، إلاّ&أن حدود ضرري لم يتجاوز يوماً مضارب عائلتي.

أما&السياسي&حسب&المقامر&المتحدث&بكل سوءٍ عنه وهو غير نادم،&فقال:&إنه يُرتّق فردوس الوطن المأمول بالوعود&المجانية،&مخلطاً الحقائق الصغيرة&جداً ببيادر من&كوكتيل&الفانتازيات؛ فكل يومٍ&لديه عهود ومشاريعقولية&جديدة عن&التغيير&والتحرر والتطور&والازدهاروالبناء&والإصلاح، ولكن أغلب الأحيان هو لا يأتي بغيرالتأجيل الدائم والأفك المتلاحق، والمزيد من&الوعود&الخلبية&المطّهمة التي تجرجر الناس&بحبل التسويفات وتقودهم&شطرَ&مصبات&الخيبة والخذلان المتواصلين.

بينما&الشاعر&الذي لا يكف المقامر عن&ذكره&في المناسبات&التي تستدعي الصور&القميئة،&أو&كلما أراد التقليل من أهميته الوجودية؛&فأكّد&بأنه&يوهم الناس فيمجمل&بناءاته الخالية من مواد الصدقِ،&وهي&كأبراجٍ من قوس قزح&مطرزةً بجلباب التوقع&المضلل، فيُصدّق فحوى جُمله&الكثير من&القراء،&ويُلاحقون&بعد النشوةأوهامه وهم مسرنمون، ولا يشعرون في نهاية الأبيات إلاّ وقد أوغلوا في صحراء الحياة، يتراكضون بلا بوصلةٍ&وهم&حفاةٌ&عراة خلف سراب الكلمات.

وهذا يشير إلى&أن تراكم التصورات المغلوطة مداميك أولية لبناء أهرامات الأوهام لدى الكثير من العاملين في حقل&السياسة&والأدب&والعقائد، الأوهام المتضخمة عن الذات والأوهام التي تقزّم&من شأن&مدارك&الآخرين، وهذه العلة من كل بد لا تتشكل من تلقاء ذاتها، ولا تتأتى عبر قرار فجائي أو تظهر إبان صحوة عاطفية، إنما يلزمها&فلسفة&تؤسس لها، ترافقها، ترسخها، باعتبار أنه&بعد الخضوع الكلي لها&تكون&قادرة على أن تحجب الرؤية تماماً عن أبصار المؤمن بها، وتقدم الواقع الواضح المعالم&لواحدهم&على&غير حقيقتها، فيخال للمرء سراب البيداء ماء،&وتلك هي واحدة من كوارث بعض&التنظيمات السياسية&سواء كانت دينية أمدنيوية، وحيث أنها تناهض&عملياً أغلب&ما هو حقيقي، أو&تعمل على&توظيف ذرات الحقائق وتضخمها إلى درجة فقدان الحقيقة لمصداقيتها من فرط&تلحُّفها بالأسمال المزيفة، باعتبار أنها بالنسبة&إلى الواقعة المتضخمة كانت أشبه&بإبرة في كومة قش، ولكم أن تتصوروا&صدمة اكتشاف&حقيقةٍ&حجمها بحجم الإبرة مقابل بيدرٍ&كامل من الأضاليل التي كوّنها المضلِّل وراكمها فوق إبرة الحقيقة تلك.

عموماً فهذه الفانتازيا المتعاظمة قدّمها ميغيل دي ثيربانتس&بأفضل حُلّة&في دونكيشوت منذ أكثر من أربعئة سنة، إلاّ أن&الغريب&في عالمنا الحاضر هو أنه ثمة فئات بشرية وبالرغم من أنها تستخدم الطائرات وقطارات النقل السريع،&إلا أنها مصرة فوق ذلك كله على اختراع العجلة البدائية من جديد، كما أن الكارثة في الفكر&الدونكيشوتي&عندنا هو أنه جماعي، إذ أننا في حالة دونكيشوت&الاسباني&أمام نسخة فردية لا ضرر من وجودها بين الناس، بل وجودها يساهم في نشر الكوميديا متمثلاً بالسخرية،&المرح والهجاء والهزل، بينما الخطورة في الفكر الدونكيشوتي&لدى الساسة&عندنا&ومتبوئي المواقع المؤثرة في&المجتمع،&هو أن داء الوهم&الذي يبثونه&شمولي،&ولا يصيب فرداًمعيناً&أو مجموعة من الأفراد فحسب، إنما قد ينزل وباؤه&على&مجتمعٍ&بأكمله وهنا مكمن الكارثة.

وحيال النماذج&التي&نتحدث عنها&من الممكن أن يُقال:إذا&كنتَ&موقناً بأنه&ليس&لديك&القدرة&على&تحقيق أي شيء ملموس وحقيقي على الأرض،&فما عليكَ إلا أن&تضخِّم&حجم&شعاراتك،&وتدِّعي بأن مطالبك أعظم مما يتم تداوله بين&الناس&الواقعيين، وأن مشروعك بالرغم من كونه لا يمت للثيوقراطية بصلة إلا أنه يُحاكي ما كان&يدور&في&أزقة&السماء، وذلك لكي تتهرب من تنفيذ أي بندٍ من البنود الفضفاضة التي وردت في سياق مشروعك الخرافي، وفي هذا الإطار&لا شك&هناك الكثير من&الأحزاب الدينية&والقومية&في&الشرق الأوسط&بارعة&جداً&في خلق الفانتازيات&السياسية،&ولن أذكر&ههنا&أيّ&تنظيم منهم،&إنما سأدع لكَ/كِ&عزيزي/تيالقارئ/ة&حرية التفكير والموازنة والاختيار،&لذا&فإن أردتم&الاتيان بكل ماهو سحري، خلاّب،&مخادع للبصر والبصيرة،&فما عليكم&إلاّ&العودة إلى&مسار حياة&العاملين&بنهج تلك&المدرسة المنبية&صروحها&من مداميك الفانتازيا.