.العنوان من الضخامة بحيث يحتاج لمراكز بحوث. قراءة المشهد الرأسمالي الحالي في ذروته المعلوماتية والعالمية. ليس بالأمر السهل. لكن من المفيد القاء الضوء على جوانب ذات طابع عملي ومباشر. هل الرأسمالية عالمية؟

عادة ما يتم تناول مفهوم العالمية في منطقتنا من منظور ضيق. حيث توضع الثقافة الاسلامية او العربية، بمواجهة العالمية. العالمية تعني بالنسبة لاكثرية باحثي المنطقة، انها انفتاح على العالم وتعدد ثقافته مع الحفاظ على خصوصيتنا العربية والاسلامية.

بالمقابل يتهمون العولمة بانها قرارا من دول كبرى على راسها امريكا من اجل تذويب الشعوب في بوتقة ثقافة العولمة هذه والتخلي عن الخصوصيات الثقافية والقومية. أي بمعنى فصل الشعوب عن تاريخها. لكنهم في العمق انما يقصدون العالمية وليس العولمة.

الفارق اللعين بين العالمية والعولمة، هو هذه الواو الدالة على فاعل معلوم. بينما تبقي العالمية في معمعة الفرضيات الثقافوية.

كأني بها تسير دون فاعل معروف ومعين ومحدد. كل هذا من اجل اختباء دعاة الخصوصية هؤلاء، وراء انهم منفتحين على العالم وثقافاته، لكنهم يريدون الاحتفاظ بخصوصياتهم. يتبوأ هذا المشهد في الواقع تياران جوهر طرحهم سياسي.

الاول وهو التيار الاسلامي بشكل خاص مع تنويعات قومية. هذه التيار لم يقدم سوى نماذج سيئة في المحصلة. والثاني هو التيار الداعم للسلطات السياسية الغاشمة والفاسدة في الدول العربية والاسلامية. رغم ان هذه السلطات بشخوصها الدائمين- كونها سلطات ابدية ابادية- لا يوجد فيهم من الخصوصية هذه في شيء. بل هم منتج رأسمالي" غربي" بامتياز ويتصرفون على هذا الاساس في ملبسهم ومأكلهم و" اتكيتهم". عدا انهم ديكتاتوريين قتلة وفاسدين. في هذه الديكتاتورية والفساد تكمن الخصوصية في جوهرها المراد الحفاظ عليه بمواجهة" العولمة"!!

اما العالمية التي تحافظ على هذه الخصوصية فهم منفتحين عليها!! انها خصوصية القتل والفساد والافقار لهذه الشعوب. لأجل ابقائها رهينة سلطات غاشمة لدول فاشلة. هذا الفهم يجعلنا ايضا في حالة تشتت ازاء عالمية الرأسمالية. اذا كانت العالمية بوصفها تطور طبيعي للبشرية على هذا الكوكب، هذا يعني ان السبب الاساسي والرئيسي في ذلك، هو هذه الرأسمالية التي اتخذت قرارا بالعولمة!!

رأيي المتواضع ان هذه الرأسمالية ليست عالمية حتى اللحظة وترفض ان تكون عالمية. العالمية تعني ان هنالك فارق بين الانسان وبين المستهلك او الشاري او العامل. لان الانسان يحتاج لقانون عالمي يحمي حقوقه، يحكمه وفقا لنظام قانوني وسياسي يشعر انه يساهم فيه. هذا التعريف للانسان هو تعريف الميثاق العالمي لحقوق الانسان. الميثاق الذي وضعته الدول الكبرى الرأسمالية نفسها!!

مع الاخذ بعين الاعتبار نضالات الشعوب من اجل ذلك. بدون هذا القانون نبقى ندور في عالمية مشوهة وعولمة لا يوجد لديها ما تقدمه للانسان سوى سلعها. وان اعترض على ذلك، يجد مصيره القتل والمجازر تحت عناوين شتى. العولمة تقتضي من القوى الراسمالية الحفاظ على قواعدها الدولتية والقومية. تعني السياسات المناهضة للهجرة، تعني التمييز ضد شعوب بكاملها. تعني قتل السوريين وغير السوريين لانهم طالبوا بحريتهم. تعني المزيد من بؤر التوتر في العالم. تعني الجوع وتعني الخراب. تعني بقاء مراكز مرفهة بمواجهة

اطراف يحكمها ديكتاتوريين عملاء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ديكتاتوريون لإبقاء الدول الطرفية فاشلة وشعوبها فقيرة ومتحكم فيها بأشكال مباشرة وغير مباشرة. هنا لا نتحدث عن تآمر بل نتحدث عن آليات عمل هذه الرأسمالية ذاتها. العمالة هنا لا تعني بالضرورة انهم جواسيس بالمعنى التقليدي للكلمة. بل لانهم يحققون مصالحهم ومصالح الغرب عبر تغطية الغرب لهم، ليحافظوا على سلطاتهم كما هي، هذه ربما اشد خطرا من الجاسوسية، لان الغرب لم يعد يحتاج لجواسيس، فهو يعرف كل ما يجري في مجتمعاتنا. بالمقابل نفي العالمية عن الرأسمالية، يمكن توضيحه من خلال النظر للحقل التنافسي بين هذه الراسماليات. هذا الحقل المنفتح على تقاسم بفعل ميزان القوى دون ان يلغي حدوث مواجهات مباشرة ام غير مباشرة بين هذه الرأسماليات.

لكن هي من العقلانية بحيث تؤجل دوما قرار الحروب فيما بينها. او تبتعد عنه. لنجد المساومات وتوزيع الحصص من الثروة العالمية. هو سيد الموقف. لا يمكننا الحديث عن عالمية ولا عن عولمة. هنالك سلوك راسمالي متوحش، لا يقيم وزنا لترهاتنا هذه. ما تاتي به آليات الراسمالية نعمل عليه، هذا لسان حال هذه القوى.

العالمية التي قصدتها يجب ان تكون عنوانا لنضالات شعوبنا. عالمية الانسان، بمعزل عن قوميته ودينه ودولته. حقوق الانسان كما افهمها هي المشترك الانساني الذي يمكن البناء عليه. من اجل "عالمية" غير متوحشة.

اما الحديث عن خصوصيات وما شابه هو خدمة لما هو قائم محليا ودوليا. الحل ليس بالماضي بل من تفاصيل هذا الواقع والان.